ولو رجع روّاد المنهجين ، إلى منهج أئمّة أهل البيت لوقفوا على الحقّ الصراح ، وانّ القول بالتوحيد في الخالقية لا يزاحم القول بالعدل والحكمة ، (بشرط أن يفسر على النهج الصحيح) وانّ بين الأصلين كمال التلاؤم.
رُوي انّ القاضي عبد الجبار المعتزلي (المتوفّى ٤١٥) دخل دارَ الصاحب بن عباد فرأى فيه أبا إسحاق الأسفرائيني الأشعري (المتوفّى ٤١٣ ه) فقال القاضي : سبحان من تنزّه عن الفحشاء (يريد بذلك انّ القول بخلق الاعمال يستلزم انّه سبحانه خلق الفحشاء) ، فأجابه أبو إسحاق : سبحان من لا يجري في ملكه إلاّ ما شاء ، ويريد انّ القول بوقوع أفعال العباد بلا مشيئة منه سبحانه يستلزم القول بتحقّق أُمور خارجة عن سلطانه. (١)
ولو تتلمذ عميدا المعتزلة والأشاعرة على خريجي منهج أئمّة أهل البيت ـ عليهمالسلام ـ لوقفا على أنّ الشعارين غير متزاحمين ، فالله سبحانه في الوقت الذي تنزّه عن الفحشاء لا يجري في ملكه إلاّ ما شاء ، فَجعْلُ كلّ من الشعارين مقابلاً للآخر رهن الجمود على القول بعموم الخلقة على التفسير الذي سار عليه الأشعري ، وعلى انقطاع فعل العبد عن قدرته سبحانه على النحو الذي سار عليه المعتزلة.
هذا تمام الكلام حول نظرية الكسب ، ومراحلها التي مرّت بها وما لها من التوالي والمضاعفات.
بقيت هنا عدّة أُمور نذكرها تباعاً في خاتمة المطاف.
__________________
(١) شرح المقاصد : ٢ / ١٤٥ ؛ شرح المواقف : ٨ / ١٥٦.