ويظهر أيضاً أنّ الإرادة لو أخذت صفة له تعالى بعد التجريد ، كانت صفة فعل نظير الخلق والإيجاد والرحمة ، منتزعة عن مقام الفعل ، فتماميّة الفعل من حيث السبب إذا نسب إلى الفعل سمّيت إرادة له ، فيكون الفعل مراداً له تعالى ، وإذا نسبت إلى الله كانت إرادة منه فهو مريد ، كما أنّ كلّ ما يستكمل به الشيء في بقائه رزق ، فالشيء مرزوق وهو تعالى رزّاق وهكذا.
إلى أن قال : وما ذكره الحكماء الإلهيون من أمر الإرادة الذاتية وأقاموا عليه البرهان ، فهو حقّ لكن الذي تثبته البراهين أنّ ما سواه تعالى يستند إلى قدرته التي هي مبدئيته المطلقة للخير وعلمه بنظام الخير ، وأمّا تسمية العلم بالخير والأصلح ، إرادة أو انطباق مفهوم الإرادة بعد التجريد على العلم بالأصلح الذي هو عين الذات فلا. (١)
وقال في مقام آخر : إنّ الإرادة منتزعة من مقام الفعل من حيث انتسابه إلى قدرته تعالى القاهرة أو من اجتماع الأسباب الموجبة عليه من حيث انتسابها إليه. (٢)
وقد ذكر عصارة نظريته في «نهاية الحكمة» حيث قال :
لا ينبغي أن تقاس الإرادة بالعلم الذي يقال إنّه كيفية نفسانية ثمّ يجرّد عن الماهية ويجعل حيثية وجودية عامة موجودة للواجب تعالى وصفاً ذاتياً هو عين الذات. وذلك لأنّا ولو سلمنا أنّ بعض مصاديق العلم وهو العلم الحصوليّ كيف نفساني ، فبعض آخر من مصاديقه وهو العلم الحضوريّ جوهر أو غير ذلك ، وقد تحقّق أنّ المفهوم الصادق على أكثر من مقولة واحدة وصف
__________________
(١) الأسفار : ٦ / ٣١٥ ـ ٣١٦ ، قسم التعليقة.
(٢) الأسفار : ٦ / ٣٥٣ ، قسم التعليقة.