من ابن عباس شفة ووقعت أُخرى غضباً ، ثم قال : كذب كعب ، كذب كعب ، كذب كعب ، ثلاث مرّات ، بل هذه يهودية يريد إدخالها في الإسلام ، الله أجلّ وأكرم من أن يعذّب على طاعته ، ألم تسمع قول الله تبارك وتعالى : (وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دائِبَيْنِ) إنّما يعني دءوبهما في الطاعة ، فكيف يعذِّب عبدين يُثني عليهما أنّهما دائبان في طاعته. قاتلَ الله هذا الحبر وقبّح حبريته ، ما أجرأه على الله وأعظم فريته على هذين العبدين المطيعين لله ، قال : ثم استرجع مراراً. (١)
٢. قال ابن كثير : روى البزار عن عبد العزيز بن المختار قال : سمعت أبا سلمة بن عبد الرحمن في هذا المسجد مسجد الكوفة ، وجاء الحسن فجلس إليه فحدث قال : حدثنا أبو هريرة أنّ رسول الله ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ قال : «إنّ الشمس والقمر ثوران في النار عقيران يوم القيامة» فقال الحسن : وما ذنبهما؟ فقال : أُحدثك عن رسول الله ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ وتقول أحسبه قال : وما ذنبهما؟! ثم قال : لا يروى عن أبي هريرة إلاّ من هذا الوجه. (٢)
إنّ كعب الأحبار لمّا أسلم بعد رحيل الرسول لم يتمكّن من إسناد ما رواه من الأسطورة إلى النبيّ الأكرم ، ولو كان مدركاً لحياته وإن كان قليلاً لنسبها إليه ولكن حالت المشيئة الإلهية دون أمانيّه الباطلة.
ولكنّ أبا هريرة لمّا صحب النبي واستحسن الظن بكعب الأحبار ـ أُستاذه في الأساطير ـ نسب الرواية إلى النبي ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ.
هذا نموذج قدّمته إلى القارئ لكي يقف على دور الأحبار والرهبان في نشر البدع اليهودية والنصرانية بين المسلمين ، ولا يُحسن الظن بمجرّد النقل بلا تأكيد
__________________
(١) الطبري : التاريخ : ١ / ٤٤ ، ط بيروت.
(٢) ابن كثير : التفسير : ٤ / ٤٧٥ ، ط دار الاحياء.