منهم ابن كثير في تفسيره حيث إنّه بعد ما أورد طائفة من الأخبار في قصة ملكة سبأ مع سليمان ـ عليهالسلام ـ قال : والأقرب في مثل هذه السياقات أنّها متلقّاة عن أهل الكتاب ، ممّا وجد في صحفهم كروايات كعب ووهب ـ سامحهما الله تعالى ـ في ما نقلاه إلى هذه الأُمّة من أخبار بني إسرائيل من الأوابد والغرائب والعجائب ممّا كان وما لم يكن ، وممّا حُرِّف وبُدِّل ونُسِخَ ، وقد أغنانا الله سبحانه عن ذلك بما هو أصح منه وأنفع وأوضح وأبلغ. (١)
والذي يدلّ على عمق مكره وخداعه لعقول المسلمين أنّه ربّما ينقل شيئاً من العهدين ، وفي الوقت ذاته نرى أنّ بعض الصحابة الذين تتلمذوا على يديه وأخذوا منه ، ينسب نفس ما نقله «كعب» إلى الرسول ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ ، والذي يبرّر ذلك العمل حسن ظنّهم وثقتهم به ، فحسبوا المنقول شيئاً صحيحاً ، فنسبوه إلى النبيّ ، زاعمين أنّه إذا كان كعب الأحبار عالماً به ، فالنبيّ أولى بالعلم منه.
فإن كنت في شكّ من ذلك فاقرأ نصّين في موضوع واحد أحدهما للإمام الطبري في تاريخه ينقله عن كعب الأحبار في حشر الشمس والقمر يوم القيامة ، والآخر للإمام ابن كثير صاحب التفسير ينقله عن أبي هريرة عن النبيّ الأكرم ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ ، ومضمون الحديث ينادي بأعلى صوته بأنّه موضوع مجعول على لسان الوحي نشره الحبر الخادع وقَبِلَه الساذج من المسلمين ونسبه إلى نبي الإسلام ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ.
١. قال الطبري : عن عكرمة قال : بينا ابن عباس ذات يوم جالس إذ جاءه رجل فقال : يا ابن عباس سمعت العجب من كعب الحبر يذكر في الشمس والقمر قال : وكان متّكئاً فاحتفر ثم قال : وما ذاك؟ قال : زعم يُجاء بالشمس والقمر يوم القيامة كأنّهما ثوران عقيران فيُقذفان في جهنم ، قال عكرمة : فطارت
__________________
(١) ابن كثير : التفسير ، قسم سورة النمل : ٣ / ٣٣٩.