أنّه لو وجد هناك شيء يفيد ما تفيده الأصوات والحروف المتتابعة بنحو أعلى وأتم ، لصحّت تسميته كلاماً أو كلمة. وهذا الشيء الذي يمكن أن يقوم مقام الكلام اللفظي هو فعل الفاعل الذي يليق أن يسمّى بالكلام الفعلي ، ففعل كلّ فاعل ، يكشف عن مدى ما يكتنفه الفاعل من العلم والقدرة والعظمة والكمال. غير أنّ دلالة الألفاظ على السرائر والضمائر اعتبارية ، ودلالة الأفعال والآثار على ما عليه الفاعل والمؤثر من العظمة تكوينية.
ولأجل ذلك نرى أنّه سبحانه يصف عيسى بن مريم بانّه كلمة الله التي ألقاها إلى مريم العذراء ويقول : (إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللهِ وَكَلِمَتُهُ) (١) ، كما يصف يحيى بها ويقول : (أَنَّ اللهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيى مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِنَ اللهِ). (٢)
بل يَعُدّ سبحانه كلّ ما في الكون من كلماته ويقول : (قُلْ لَوْ كانَ الْبَحْرُ مِداداً لِكَلِماتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِماتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنا بِمِثْلِهِ مَدَداً). (٣)
ويقول سبحانه : (وَلَوْ أَنَّ ما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ ما نَفِدَتْ كَلِماتُ اللهِ). (٤)
قال أمير المؤمنين وسيّد الموحدين ـ عليهالسلام ـ في «نهج البلاغة» :
«يُخْبِرُ لا بلسان وَلَهَوات ، وَيَسْمَعُ لا بخُروق وأدوات ، يقول ولا يَلفِظُ ، ويَحْفَظُ وَلا يَتَحَفَّظُ ، ويُريد ولا يُضمِر ، يُحِبّ ويرضى من غير رِقّة ، ويُبْغِضُ ويغضب من غير مشقّة ، يقول لمن أراد كونه : كن. فيكون ، لا
__________________
(١) النساء : ١٧١.
(٢) آل عمران : ٣٩.
(٣) الكهف : ١٠٩.
(٤) لقمان : ٢٧.