والإثبات وهو لوح مخلوق لله لا نعلم كنهه ، وأمّا علمه سبحانه فهو قائم بذاته بل عين ذاته ، لا يتغيّر ولا يتبدّل وهو سبحانه حينما يقدّر التقدير الأوّل في كتاب المحو والإثبات يعلم عن مصير ذلك التقدير وانّه هل يثبت ولا يمحى لتمادي العبد على ما كان عليه ، أو انّه يتغيّر بحسب حياة العبد وطروء التغير إلى أفعاله.
ولأجل إيضاح الحقّ نأتي بما ألقيناه في سالف الزمان في ذلك المجال ونقتبس منه ما يلي :
إنّ العبد الفارغ من الدعاء والعمل الصالح التارك لهما ، قُدّر له قصر العمر ، وقلّة الرزق ؛ كما أنّ العبد المقبل على الدعاء والعمل الصالح كتب عليه طول العمر وسعة الرزق ، وكلا التقديرين تقدير من الله سبحانه.
فلو كان الرجل في إبّان شبابه غير متفرّغ للدعاء والعمل الصالح فهو داخل تحت التقدير الأوّل ، فقد قدر في حقّه قصر العمر ونقصان الأرزاق بشرط البقاء على تلك الحالة.
ولكنّه إذا تحول إلى حالة أُخرى في أُخريات حياته وأقبل على الدعاء والعمل الصالح ، انقلب التقدير الأوّل إلى خلافه وضده ، فيكتب في حقّه الزيادة في الأجل والرزق وغيرهما.
نعم هو سبحانه يعلم من الأزل أنّ أيَّ عبد يختار أيَّ واحد من التقديرين طول حياته ، أو انّ أيّ عبد ينتقل من تقدير إلى تقدير آخر ، فليس هاهنا تقدير واحد ، وقضاء فارد ، لا ينفك عنه الإنسان ولا مناص له منه ، وإن كان هناك علم واحد أزلي غير متغيّر.