الكتاب وصريح آياته وأخبار الأئمّة الهداة.
وبهذا يظهر أنّ البداء من المعارف العليا التي اتّفقت عليه كلمة المسلمين وإن غفل عن معناه الجمهور (ولو عرفوه لأذعنوا له).
وأمّا اليهود ـ خذلهم الله ـ فقالوا باستحالة تعلّق المشيئة بغير ما جرى عليه القلم ، ولأجل ذلك قالوا : يد الله مغلولة عن القبض والبسط ، والأخذ والإعطاء.
وبعبارة أُخرى : أنّ للإنسان عندهم مصيراً واحداً لا يمكن تغييره ولا تبديله ، وأنّه ينال ما قُدِّر له من الخير والشر بلا استثناء.
ولو صحّ ذلك لبطل الدعاء والتضرّع ، ولبطل القول بأنّ للأعمال الصالحة وغير الصالحة ممّا عددناه تأثيراً كبيراً في تغيير مصير الإنسان.
وعلى ضوء هذا البيان نتمكّن من فهم ما جاء في فضيلة البداء وأهميته في الروايات عن أئمّة أهل البيت ـ عليهمالسلام ـ ، مثل ما روى زرارة عن أحدهما (الباقر أو الصادق ـ عليهماالسلام ـ) : «ما عُبد الله عز وجلّ بشيء مثل البداء». (١)
ولقد أدرك قوم يونس إمكان تغيير التقدير بالتوبة والعمل الصالح ، فلمّا نزل بهم العذاب مشوا إلى رجل من علمائهم ، فقالوا : علّمنا دعاءً ندعُو به لعلّ اللهَ يكشفُ عنّا العذابَ ، فقال : قولوا : يا حيّ ، حينَ لا حيَّ ، يا حيّ محيي الموتى ، يا حي لا إله إلاّ أنت ، قال : فكشف عنهم العذاب. (٢)
ويظهر ممّا رواه السيوطي أنّهم وقفوا بين يدي الله سبحانه بحالة تستنزل الرحمة وتدفع النقمة ، قال : أخرج أبو الشيخ عن ابن عباس رضياللهعنه قال :
__________________
(١) البحار : ٤ / ١٠٧ ، باب البداء ، الحديث ١٩.
(٢) تفسير ابن كثير : ٣ / ٥٣٠.