وممّن صرّح بما ذكرنا الراغب الاصفهاني في مفرداته ، قال : قيل : إنّهم لمّا سمعوا انّ الله قد قضى كلّ شيء قالوا : إذاً يد الله مغلولة ، أي في حكم المقيد لكونها فارغة. (١)
إنّ يهود عصر الرسالة استنكروا تحويل القبلة من القدس إلى الكعبة ، وما هذا إلاّ لاعتقادهم بالفراغ عن التكوين والتشريع.
وبهذا فسّره الجبائي قوله سبحانه : (وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ إِنَّ اللهَ واسِعٌ عَلِيمٌ). (٢)
وبهذا الشأن نزل قوله سبحانه : (ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ). (٣)
وممّا يشهد على أنّ القول بالفراغ عن الأمر وجفاف القلم من العقائد المستوردة هو ما عليه اليهود في عامّة القرون من أنّه سبحانه بعد ما فرغ من خلق السماوات والأرض خلال الستة أيام ، استراح في اليوم السابع وهو يوم السبت جاء في سفر التكوين : فأكملت السماوات والأرض وكلّ جندها ، وفرغ الله في اليوم السابع من عمله الذي عمله فاستراح في اليوم السابع من جميع عمله الذي عمل. (٤)
يقول سبحانه ردّاً على تلك العقيدة : (وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَما مَسَّنا مِنْ لُغُوبٍ). (٥)
__________________
(١) المفردات : ٣٦٣.
(٢) البقرة : ١١٥ ، لاحظ مجمع البيان : ١ / ١٩١.
(٣) البقرة : ١٠٦.
(٤) سفر التكوين : الاصحاح : ٢ / ١.
(٥) ق : ٣٨.