وظيفته وجاز له السكوت عن البحث حول الحكومة وصيغتها وسائر الأُمور الراجعة إليها ، وأمّا لو كانت صيغة الحكومة من الشورى أو البيعة فلما ذا لم يرد في الكتاب والسنّة التصريح بذلك الأمر وبيان شرائط الشورى من المنتخِب والمنتخَب.
انّا نرى أنّه روي عن النبي ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ حول القدر نحو ٢٥٠ رواية ، وحول آداب التخلي ما لا يحصى ، وهكذا في أكثر الأُمور العادية النازلة مرتبة ومكانة ، فهل من المعقول سكوت التشريع الإسلامي عن أمر بالغ الأهمية والخطورة وإسهاب الكلام في أُمور عادية؟!
وأمّا الاستدلال بالآيتين الكريمتين فلا يصحّ تماماً في المقام.
أمّا الآية الأُولى أوّلاً : قوله سبحانه : (وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ) (١) فالخطاب فيها متوجه إلى الحاكم الذي استقرت حكومته ، فيأمره سبحانه أن ينتفع من آراء رعيته فأقصى ما يمكن التجاوز به عن الآية ، هو انّ من وظائف كلّ الحكام التشاور مع الأُمّة ، وأمّا انّ الخلافة بنفس الشورى ، فلا يمكن الاستدلال عليه بهذه الآية.
وثانياً : انّ المتبادر من الآية هو أنّ التشاور لا يوجب حكماً للحاكم ، ولا يلزمه بشيء ، بل هو يقلب وجوه الرأي ويستعرض الأفكار المختلفة ، ثمّ يأخذ بما هو المفيد في نظره ، وذلك لقوله سبحانه في نفس الآية : (فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ) ، المعرب عن أنّ العزم والتصميم والاستنتاج من الآراء والأخذ بما هو الأصلح راجع إلى نفس المشير ، وهذا يتحقّق في ظرف يكون هناك مسئول تام الاختيار في استحصال الأفكار والعمل بالنافع منها ، حتّى يخاطب بقوله : (فَإِذا عَزَمْتَ) ،
__________________
(١) آل عمران : ١٥٩.