وهو خليفة فقال في خطبته : ألا إنّ ما سنَّ رسول الله وصاحباه فهو دين نأخذ به ، وننتهي إليه وما سنّ سواهما فإنّما نرجئه. (١)
هذا وقد احتلّت فتوى الصحابة منزلة الآثار النبوية يأخذ بها فقهاء السنّة ، يقول الشيخ أبو زهرة : ولقد وجدناهم (الفقهاء) يأخذون جميعاً بفتوى الصحابي ولكن يختلفون في طريق الأخذ ، فالشافعي كما يصرح في «الرسالة» يأخذ بفتواهم على أنّها اجتهاد منهم واجتهادهم أولى من اجتهاده ، ووجدنا مالكاً ـ رضياللهعنه ـ يأخذ بفتواهم على انّها من السنّة. الخ
وهذا يعرب عن أنّ للصحابة حق التشريع وجعل الأحكام في ضوء المصالح العامة ، مع أنّ الكتاب العزيز دلّ بوضوح على أنّ حق التشريع خاص بالله فقط ، ولا يحق لأحد أن يفرض رأيه على الآخرين.
فدفعُ زمام التشريع إلى غيره سبحانه أشبه بعمل أهل الكتاب حيث اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله. فلم يعبدوهم ، بل خضعوا لهم في التحريم والتحليل فصاروا أرباباً في مجال التقنين والتشريع.
روى الثعلبي باسناده عن عدي بن حاتم قال : أتيت رسول الله وفي عنقي صليب من ذهب ، فقال لي : «يا عدي اطرح هذا الوثن من عنقك» قال : فطرحته ، ثم انتصب إليه وهو يقرأ هذه الآية : (اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً) (٢) حتى فرغ منها ، فقلت : إنّا لسنا نعبدهم ، فقال : «أليس يحرّمون ما أحله الله فتحرّمونه ، ويحلّون ما حرّم الله فتتحلّونه؟» قال : فقلت : بلى ، قال : «فتلك عبادة» (٣).
وأين هذا ممّا عليه أئمّة أهل البيت ـ عليهمالسلام ـ روى جابر بن عبد الله عن أبي جعفر
__________________
(١) تاريخ الخلفاء : ١٦.
(٢) التوبة : ٣١.
(٣) تفسير الثعلبي : ٥ / ٣١٤.