التقدير والقضاء أشبه بعمل الخياط عند ما يأخذ قياسات الثوب ، ثمّ يشرع بخياطته ولو لا ذلك لتعسّر عليه الخياطة.
ما هو محط النزاع في المقام؟
إنّ محطّ النزاع في القضاء والقدر ، هو أفعال الإنسان ، التي يترتّب عليها الثواب والعقاب ، ويحمد أو يذمّ ، فهل وقوعها في إطار القضاء والقدر يسلب عنه الاختيار ويسود عليها ، الجبر والحتم ، أو لا؟!
وأمّا ما وراء ذلك من الأُمور الكونية سواء أكان له صلة بحياة الإنسان وأفعاله أم لا ، فخارج عن محط النزاع ، فالقول بسيادة الجبر عليه ، نظر إلى الخصوصيات الكامنة في وجوده ، تعبير واضح عن واقع وجوده مثلاً.
١. انّ حركة الشمس والقمر وما بينهما وفوقهما من السيارات والكواكب والمجرّات ، حركات جبرية لأنّه سبحانه قدّر وجودها ، وحركاتها بهذه الخصوصية وقضى عليها به ، يقول سبحانه : (وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّراتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) (١) فالجميع فواعل ، تسخرية غير شاعرة بأفعالها.
٢. ما يقوم به النحل والنمل من الأفاعيل العجيبة ، المحيّرة للعقول حركات تسخرية ، يقوم به عن شعور ، ولكن لا بحرية واختيار فقد كتبت عليهما بقلم الفضاء ان يتخذ من الجبال بيوتاً والشجر وممّا يعرشون يقول سبحانه حاكياً عن القضاء المحتوم على النحل : (وَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ * ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ
__________________
(١) النحل : ١٢.