هذا المنح ، ومع الاحتفاظ بحق الرجوع بعد أداء الدين حرمة للأحكام الشرعية ، وبنسبة تكاثر العقارات الموقوفة بدمشق مثلا تكاثرت المراصد.
هذا فيما يتعلق بالعقارات المسقوفة ، وأما الأرضون الصالحة للزراعة فقد اخترعوا لمنح التصرف بها ، فراغا أو انتقالا ، مخرجا آخر وهو سراية «شد المسكة» من الأرض الأميرية إلى الموقوفة. ومعناه استحقاق الحراثة في الأرض التي ليست مملوكة الرقبة للحرث مقابل أداء العشر أو الخراج إن كانت أميرية ، وأداء مرتب الوقف إن كانت موقوفة الرقبة بعد أداء حق قرارها. وقد أضحت قضية أرض الزراعة الموقوفة في الشام ذات غموض عظيم في زماننا ، لاختلاط الموقوفة بغيرها ، واختلاط الموقوفة وقفا صحيحا لتملك رقبتها بالموقوفة وقفا غير صحيح لعدم تملك الرقبة ، وكذلك لاختلاط ذات الوقف الأهلي بذات الوقف الخيري فضلا عن ضياع وقف أغلبها واندثاره بتقادم العهد ، ما عدا الأرضين التي صانت الحكومة وقفها وضبطته ، مقابل إفراز العشر والاعتراف باستحقاقه لجهة الوقف سواء أكانت خيرية أم أهلية، وسواء أكان الوقف صحيحا أم غير صحيح.
وإذا كانت قضية الأرض الأميرية باعتبار ذاتها من أشكل المشكلات لما طرأ من التبديل على الخطة التي رسمها سيدنا عمر رضياللهعنه بعد فتح الشام ، فكيف بما عرض لها من عوارض الوقف المختلفة الأنواع التي استترت على أبناء هذا الزمان ، ما لم يتح لهم الاطلاع على كتب الواقفين ، ومناشير السلاطين المصونة بيد المستحقين أو المتولين ، ويندر أن يطلعوا عليها أحدا لعبثهم بشروط الواقفين من الوجهة الخيرية ، واختلاسهم حقوق المستحقين من الوجهة الأهلية. على أن أغلب أرض الزراعة الموقوفة لا تختلف أحكامها في عهدنا وربوعنا عن بقية الأرضين من وجهة الفراغ والانتقال.
ونحن مع اعترافنا بضرورة اختراع هذا المخرج ، لعلمنا بيسر الشريعة واتساعها وملاءمتها لمقتضيات الزمان والعمران ، لا يسعنا إنكار ما نجم عن اختراعه من اندثار الأوقاف الإسلامية وانهيار معالمها ، لأنه فسح مجالا لابتداع الحيل التي مهدت السبل لاختلاس الأوقاف وطمس معالمها ، ودرس معاهدها. ولما أدرك أرباب الطمع أن المرصد لا يملكهم العقار الموقوف ملكا باتا ، لأن