الخليفة : عليّ به. فلما دخل عليه قال له : ما حملك على ما فعلت. قال : أنا ما فعلت ، قال : ومن فعل؟ قال : أنت فعلت ، إنما يدي يدك ، وسوطي سوطك ، وما على أمير المؤمنين أن يخلف لروح عوض الفسطاط فسطاطين ، وعوض الغلام غلامين ، فلا يكسرني فيما قدمني له ، فأخلف لروح ما ذهب منه. ولما استقرت البيعة لعبد الملك بن مروان أراد الخروج إلى مصعب بن الزبير فجعل يستنفر أهل الشام فيبطئون عليه فقال له الحجاج ابن يوسف : سلطني عليهم فو الله لأخرجنهم معك. قال له : قد سلطتك عليهم. فكان الحجاج لا يمرّ على باب رجل من أهل الشام قد تخلف عن الخروج إلا أحرق عليه داره ، فلما رأى ذلك أهل الشام خرجوا.
ومن رسالة لعبد الحميد الكاتب على لسان مروان إلى ولي عهده عبد الله ابن مروان حين وجهه لمحاربة الضحاك الخارجي وفيها بعض قواعد الحرب المعروفة عند الأمويين قال : «إذا كنت من عدوك على مسافة دانية وسنن لقاء مختصر ، وكان من عسكرك مقتربا ، قد شامت طلائعك مقدمات ضلالته ، وحماة فتنته ، فتأهب أهبة المناجزة ، وأعدّ إعداد الحذر ، وكتب خيولك ، وعبّ جنودك ، وإياك والمسير إلا مقدمة وميمنة ، وميسرة وساقة ، قد شهروا بالأسلحة ، ونشروا البنود والأعلام ، وعرف جندك مراكزهم سائرين تحت ألويتهم ، قد أخذوا أهبة القتال ، واستعدوا للقاء ، ملحين إلى مواقفهم ، عارفين بمواضعهم من مسيرهم ومعسكرهم ، وليكن ترجلهم وتنزلهم على راياتهم وأعلامهم ومراكزهم ، وعرّف كل قائد وأصحابه موقعهم من الميمنة والميسرة والقلب والساقة والطليعة ، لازمين لها غير مخلين بما استنجدتهم له ، ولا متهاونين بما أهبت بهم إليه ، حتى تكون عساكرهم في كل منهل تصل إليه ، ومسافة تختارها ، كأنه عسكر واحد في اجتماعها على العدة ، وأخذها بالحزم ، ومسيرها على راياتها ، ونزولها على مراكزها ، ومعرفتها بمواضعها ، إن أضلت دابة موضعها عرف أهل العسكر من أي المراكز هي ومن صاحبها ، وفي أي المحل حلوله منها ، فردت إليه هداية ومعرفة ونسبة قيادة صاحبها ، فإن تقدّمك بذلك ، وإحكامك له ، اطراح على جندك مؤونة الطلب ، وعناء المعرفة ، وابتغاء الضالة.