«ثم اجعل على ساقتك أوثق أهل عسكرك في نفسك صرامة ونفاذا ، ورضا في العامة وإنصافا من نفسه للرعية ، وأخذا بالحق في المعدلة ، مستشعرا تقوى الله وطاعته ، آخذا بهديك وأدبك ، واقفا عند أمرك ونهيك ، معتزما على مناصحتك وتزيينك ، نظيرا لك في الحال ، وشبيها بك في الشرف ، وعديلا في الموضع ، ومقاربا في الصيت ، ثم أكثف معه الجمع ، وأيده بالقوة ، وقوّه بالظهر ، وأعنه بالأموال ، واغمره بالسلاح ، ومره بالعطف على ذوي الضعف من جندك ، ومن رخفت به دابته ، وأصابته نكبة من مرض. أو رجلة أو آفة. من غير أن تأذن لأحد منهم في التنحي عن عسكره ، أو التخلف بعد ترحيله ، إلا المجهود أو المطروق بآفة. ثم تقدم إليه محذرا ، ومره زاجرا ، وانهه مغلظا بالشدة على من مرّ به منصرفا عن معسكرك من جندك بغير جوازك ، شادا لهم أسرا ، وموقرهم حديدا. ومعاقبهم موجعا أو موجههم إليك فتنهكهم عقوبة ، وتجعلهم لغيرهم من جندك عظة ...
«إجعل خلف ساقتك رجلا من وجوه قوادك ، جليدا ماضيا ، عفيفا صارما ، شهم الرأي ، شديد الحذر ، شكيم القوة ، غير مداهن في عقوبة ، ولا مهين في قوة. في خمسين فارسا من خيلك، تحشر إليك جندك ، ويلحق بك من يتخلف عنك ، بعد الإبلاغ في عقوبتهم والنّهك لهم والتنكيل بهم ... ليكن رحيلك إبّانا واحدا ، ووقتا معلوما. لتخف المؤنة بذلك على جندك. ويعلموا أوان رحيلهم. فيقوموا فيما يريدون من معالجة أطعمتهم ، وإعلاف دوابهم ، وتسكن أفئدتهم إلى الوقت الذي وقفوا عليه ، ويطمئن ذوو الحاجات إبان الرحيل. ومتى يكون رحيلك مختلفا تعظم المؤنة عليك وعلى جندك ، ويخلوا بمراكزهم ، ولا يزال ذوو السفه والنزق يترحلون بالإرجاف ، وينزلون بالتوهم ، حتى لا ينتفع ذو رأي بنوم ولا طمأنينة.
«إياك أن تنادي برحيل من منزل تكون فيه. حتى يأمر صاحب تعبيتك بالوقوف على معسكرك. آخذا بفوهة جنبتيه بأسلحتهم ، عدة لأمر إن حضر. ومفاجأة من طليعة العدو إن أراد نهزة ، أو لمحت عندكم غرة ، ثم مر الناس بالرحيل وخيلك واقفة ، وأهبتك معدّة ، وجنّتك واقية ،