حتى إذا استقللتم من معسكركم ، وتوجهتم من منزلكم ، سرتم على تعبيتكم بسكون ريح ، وهدو جملة وحسن دعة ...
«إياك أن يكون منزلك إلا في خندق أو حصن تأمن به بيات عدوك ، وتستنيم فيه إلى الحزم من مكيدته ، إذا وضعت الأثقال ، وخططت أبنية أهل العسكر لم يمد خباء ، ولم ينتصب بناء ، حتى يقطع لكل قائد ذرع معلوم من الأرض بقدر أصحابه فيحتفروه عليهم ، ويبنون بعد ذلك خنادق الحسك ، طارحين لها دون أشجار الرماح ، ونصب الترسة. لها بابان قد وكلت بعد بحفظ كل باب منهما رجلا من قوادك في مائة رجل من أصحابه. فإذا فرغ من الخندق كان ذلك القائدان أهلا لذلك المركز ... وإياك أن يشهروا سيفا يتجالدون به ، وتقدم إليهم فلا يكون قتالهم بالليل في تلك المواضع من طرقهم إلا بالرماح مسندين لها إلى صدورهم ، والنشاب راشقين به وجوههم ، قد ألبدوا بالترسة ، واستجنوا بالبيض ، وألقوا عليهم سوابغ الدروع ، وجباب الحشو ، فإن صد العدو عنهم حاملين على ناحية أخرى ، كبّر أهل تلك الناحية الأولى وبقية العسكر سكوت ، والناحية التي صدر عنها العدو لازمة لمراكزها ، فعلت في تقويتهم وإمدادهم بمثل صنيعك بإخوانهم. وإياك أن تخمد نار رواقك ، وإذا وقع العدو في معسكرك فأججها ساعرا لها ، وأوقدها حطبا جزلا ، يعرف بها أهل العسكر مكانك وموضع رواقك ، ويسكن نافر قلوبهم ، ويقوى واهن قوتهم ، ويشد منخذل ظهورهم ، ولا يرجفون فيك بالظنون ، ويجيلون لك آراء السوء. وذلك من فعلك رد عدوك بغيظه ، ولم يستقل منك بظفر ، ولم يبلغ من نكايتك سرورا إن شاء الله اه».
هذا وقد كانت الشام على عهد أوائل العباسيين كما كانت في العهد الأموي تخرج جندا لغزو الصوائف والشواتي أي حروب الصيف والشتاء الموجهة إلى الروم. وإن كانوا في جهادهم على الأكثر لا فرق عندهم في الفصول يصيفون ويشتون ويرتبعون ويخرفون.
ذكر المؤرخون أن المأمون أقطع أخاه أبا إسحاق المعتصم الشام ومصر وفرض على دمشق وحمص والأردن ٤٠٠٠ جندي لغزو الصائفة. وذكر