أي الفرس ، ولذلك لم تتم هذه القناة إلا بعد مائة سنة أنشأها الملك داريوس الأول الفارسي. على أن القناة القديمة كانت أوسع من هذه القناة الحالية. وقد ظهرت آثار القناة القديمة المندرسة في سنة (١٧٩٨) وتظهر الآثار الآن في أماكن عديدة. وقد استعمل قسم منها لمجرى القناة الجديدة المستعملة لإسالة الماء العذب ، وقد عرفنا من الجدران المائلة والمرتفعة ومن الأحجار المنحوتة أن عرض القناة القديمة كان خمسة وأربعين مترا في عمق خمسة أمتار. وذكر المؤرخ هيرودوتس أن طولها أربعة أيام وقد كانت معدة إذ ذاك لسير السفن. وتكريما لإنجاز عمل القناة أقام داريوس عدة مسلات تذكرة ومفخرة.
وجاء بعد ذلك البطالسة وجهدوا لتجديد عمل هذه القناة وأخذوا يقاومون الطبيعة في العصر الرابع والثالث والثاني والأول ق م. وكانوا يرمون إلى المحافظة على طريق نهر النيل إلى البحر الأحمر من البحيرة المرة وجعله أبدا صالحا لمرور الزوارق. كلفهم ذلك جهودا عظيمة وقاموا بأعمال صناعية دقيقة ، كالسدود والأحواض وأعمال أخرى كان القصد منها دفع المياه المالحة عن النيل وعن الأراضي المصرية ، ثم أهمل شأنها في القرن الأول ق م.
وبعد فإن تاريخ هذا العمل العظيم أي قناة السويس القديمة ينتهي في عهد الرومانيين. وقد كان آخر من قام بحفر هذه القناة القديمة التي امتلأت بالرمال الامبراطور تراجان الروماني بين سنة (٩٨ و ١١٧) بعد الميلاد وقد فتح على عهده نهر تراجان الذي كان يبتدئ بالقرب من القاهرة ويمتد إلى خليج السويس في البحر الأحمر ، وهذا النهر هو القناة المبحوث عنها آنفا. طمتها الرمال وارتفع مستوى الأرض فضاع أعظم أثر من آثار القدماء يعد من بدائع القرون الغابرة.
ولما افتتحت العرب مصر كانت قناة النيل والبحر الأحمر عبارة عن ذكرى قديمة العهد جدا. ومع هذا يرجع الفضل والشرف في إحياء هذه الذكرى القديمة منذ اثني عشر قرنا للعرب الفاتحين وهم آخر من أحيا هذه الذكرى قبل أهل المدنية الحاضرة. وأعظم من هذا أنهم هم أول من فكر بالطريقة الحديثة لإيجاد قناة بين البحرين المتوسط والأحمر. ذلك لأن مملكة العرب كانت متسعة الأرجاء وتحتاج للمواصلات في كل وجه خلافا لمملكة