أعمال الحفر تتقدم بوسائط ابتدائية ، فتنقل أتربة الحفريات على ظهور الحمير. ولنا أن نقدر الصعوبات التي اقتحمها القائمون بالعمل إذا فكرنا بأن ما كان يحتاجه العمال من الماء للشرب كان ينقل على ظهور الإبل وكان يكلف هذا النقل ستة وخمسين ألف فرنك في الأسبوع حتى انتهى عمل القناة المعدة لإسالة الماء العذب.
وفي ١٨ تشرين الثاني سنة (١٨٦٢) جرى فتح أول قطعة من الترعة وقد ترأس هذا الاحتفال الفخم دليسبس صاحب هذا المشروع. وحطم السد أثناء الاحتفال فدخلت مياه البحر المتوسط إلى بحيرة التمساح فكان هذا الاحتفال فخما مهيبا. ومات الخديوي سعيد باشا فأضاع دليسبس أكبر نصير له. على أن هذه المصيبة لم تمنعه من الحصول على موافقة السلطان العثماني وذلك في سنة (١٨٦٦) وجيء يومئذ بآلات الحفر الضخمة ذات قوة (٢٢) ألف حصان واستغنوا عن الأدوات الابتدائية. وجرى افتتاح هذه الترعة في ١٧ تشرين الثاني سنة (١٨٦٩) فاجتمع في ذلك الاحتفال خمس وخمسون سفينة أتت من أوربا ، وممن حضر امبراطور النمسا وأولياء عهد بروسيا وهولاندا وغيرهم. وقد أنفق على هذه الترعة تسعة عشر مليون ليرة إنكليزية.
ولما رأت إنكلترا فائدة هذه الترعة ندمت على تباعدها عن مديد المساعدة لأول الأمر وقررت أن تستعيض عما فاتها من الوقت. ففي تشرين الثاني سنة (١٨٧٥) تمكن ديزرائيللي وزير إنكلترا من ابتياع مائة وستة وسبعين ألف سهم كانت ملك الخديوي سعيد باشا وذلك بمبلغ أربعة ملايين ليرة إنكليزية وفي تسعة أيام دخل ثلاثة أعضاء إنكليز في هيأة إدارة الترعة وسقطت تلك المعارضة التي اشتدت بين إنكلترا وبين شركة الترعة. وفي سنة (١٨٨٢) أهملت فرنسا مصالحها في مصر فعسكرت الجيوش البريطانية في القاهرة فاحتج فرديناند دليسبس على خرق حياد الترعة فلم يجد احتجاجه نفعا.
وفي سنة (١٨٨٥) وضعت قواعد الاتفاق الفرنسي الإنكليزي لإدارة شؤون الترعة. وكان أثر هذا الاتفاق عظيما جدا وخصوصا أيام الحرب العامة. فكانت هذه الترعة خندقا حصينا بيد الحلفاء للمحافظة على مصر. ولما هاجم (٥ ـ ١٠)