الرواج المطلوب في الرأي العام الإنكليزي. وبعد ذلك تألفت جماعة من الروسيين واقترحت طريقة جديدة وهي وصل طرابلس الشام بالخليج الفارسي بخط حديدي ، يتفرع منه فرع إلى كربلاء ، ولكن هذه الفكرة كانت عقيمة لا تستحق الاهتمام لأن خطا جديديا كهذا لا يجوز تمديده في تلك الصحاري القاحلة.
وبالتزاحم الذي حدث بين الدول الغربية لنيل امتيازات في الولايات العثمانية كان الألمانيون آخر من تقدم وذلك في سنة ١٨٨٨ فجاءوا بأفكار جديدة وكان الإنكليز والفرنسيون ممن يهتمون بالخطوط الحديدية العثمانية. ولا يفكرون بغير وصل السواحل بالأصقاع الداخلية وذلك لترويج صناعتهم وتجاراتهم. ولهذا لم ينشئوا سوى خطوط صغيرة كيافا ـ القدس ـ حيفا ودمشق ـ بيروت وطرابلس ـ حمص السويدية أو الإسكندرونة ـ حلب ومرسين ـ أذنة وأضاليا الخ. فكل هذه الخطوط كانت تبتدئ من السواحل وتنتهي بمدن الساحل. خلافا لهذه الخطة الغريبة تقدم الألمان بطريقة جديدة تتفق مع المصالح العثمانية أكثر من الأولى. ففي سنة ١٨٧١ ارتأى فون برسيل المهندس الألماني أن يجعل الاستانة مركز الخطوط الحديدية الأوربية والآسيوية ، فبدلا من أن يكون للمملكة العثمانية عشرون خطا صغيرا لا رابطة بينها اقترح أن تنشأ خطوط أساسية تقطعها عرضا وطولا تكون خير واسطة بيد الحكومة من الوجهة الإدارية والعسكرية. وتصل جميع الأقطار العثمانية بعضها ببعض. وأول خط من هذه الخطوط التي اقترح عملها المهندس برسيل كان خط الاستانة ـ بغداد.
وبناء على اقتراحه هذا ووفقا للمخططات التي رسمها ، شرعت الحكومة العثمانية بإنشاء خطها العظيم الملقب بقاطع آسيا الصغير. وكان القصد من هذا الخط أن يبتدئ من مرفإ حيدر باشا على ساحل البوسفور وينتهي بالكويت على ساحل الخليج الفارسي مارا بازميد مجتازا مضايق نهر سقاريا المعوج فيصل أسكيشهر ومنها يتجه شرقا نحو أنقرة ـ يوزغاد ـ سيواس ـ عربكير خربوط ـ ديار بكر ـ ماردين ـ الموصل ـ بغداد ومن هذه يسير موازيا لدجلة وشط العرب حتى خليج فارس. ودعوا هذا التخطيط بالمخطط الشمالي وكان هذا التخطيط أقصر الطرق وأقلها نفقة ويبلغ طوله ٣٥٠٠ كيلو متر.