وكانوا يصلون إلى جهة القطب الشمالي وكانت محاريبه تجاه الشمال وبابه يفتح إلى جهة القبلة خلف المحراب ، وهو باب حسن عن يمينه ويساره بابان صغيران بالنسبة إليه ، وكان غربي المعبد قصر منيف جدا تحمله هذه الأعمدة التي بباب البريد وغربيه قصر جيرون ، داران يكونان لمن يتملك دمشق قديما فهو أقدم معبد.
وقال شيخ الربوة : إن له نحو أربعة آلاف سنة وهو معبد. ولما فتح المسلمون دمشق أخذوا من النصارى النصف الشرقي من هذه الكنيسة التي كانوا يسمونها كنيسة ماريوحنا ، وكان المسلمون والنصارى يدخلون من باب واحد وهو باب المعبد الأصلي في القبلة فينصرف النصارى إلى جهة الغرب والمسلمون إلى الشرق. وكان لا يستطيع أهل الإنجيل أن يجهروا في قراءته بكنائسهم ولا يضربوا بناقوسهم إجلالا للصحابة. فلما أخذت أصواتهم ترفع في صلواتهم أحب الوليد أن يبعدهم عن المسلمين فعوضهم عنه أربع كنائس أخرى. وقيل : إنه بذل للنصارى فيه أربعين ألف دينار فلم يريدوا أن يأخذوها فأخذها كما قال ابن العميد. واحتاج الوليد إلى صناع كثيرة فوجه إليه ملك الروم بمائتي صانع.
وحكى الجاحظ في كتاب البلدان أنه كان مبنيا على الأعمدة الرخام طبقتين : الطبقة التحتانية أعمدة كبار ، والتي فوقها صغار ، في خلال ذلك صورة كل مدينة وشجرة في الدنيا بالفسيفساء الذهب والأخضر والأصفر ، وفي قبليه القبة المعروفة بقبة النسر ليس في دمشق شيء أعلى ولا أبهى منظرا منها ، ولها ثلاث منائر إحداها وهي الكبرى كانت ديدبانا للروم وأقرت على ما كانت عليه وصيرت منارة. وروى البرزالي أنه كان ابتداء عمارة جامع دمشق في أواخر سنة ست وثمانين وتكامل في عشر سنين. وكان الفراغ منه سنة ست وتسعين وفيها توفي بانيه الوليد بن عبد الملك وقد بقيت فيه بقايا من الزخرفة فكملها أخوه سليمان بن عبد الملك وجددت فيه أشياء أخر ، فمن ذلك القبة الغربية التي في صحنه ويسميها الناس قبة عائشة ، وغالب ظني أنها بنيت في سنة ستين ومائة في أيام المهدي ، وأما القبة الشرقية التي في صحنه تجاه مشهد علي بن الحسين فعمرت في أيام المستنصر العبيدي في سنة خمس