من أهل الروم ايلي ومن سكان الأناضول على قلة ، ويعفى من ذلك الأرمن وسكان جزيرتي ساقز ورودس ، يأخذونهم من أهلهم من سن العاشرة إلى الخامسة عشرة ويستثنى من ذلك المتزوجون الفتيان ، ويربونهم تربية إسلامية ثم يجعلونهم في الثكنات في الإستانة ، ومنهم من يخدم في قصور السلاطين في أعمال البستنة وغيرها ، ومنهم من يتعلم سبع سنين اللغة التركية خاصة حتى يصبحوا مسلمين أتراكا ثم ينقلون إلى العاصمة ، وكثير منهم ارتقوا في مناصب الدولة حتى أصبحوا وزراء وقوادا عظاما وخدموا العثمانيين خدمة عظيمة ، لأن خلّص الأتراك على الأغلب كانوا يفرون من تعليم أولادهم ، وإن كان الآباء عظماء في السلطنة. فانتقلت الأحكام بالطبيعة إلى أيدي فئة من هؤلاء المتعلمين من الإنكشارية.
ولما أسس أورخان هذا الجيش قصد ذات يوم آماسية وكان فيها رجل من الصلحاء اسمه حاجي بكتاش ، والتمس منه أن يسمي هذا الجيش فسماه الوليّ العسكر الجديد (يكي چري) ودعا له بما معناه : بيض الله وجوههم ، وقوى سواعدهم ، وأرهف سيوفهم ، وأهلك الأعداء بسهامهم ، وكتب لهم الغلبة والتوفيق. قال هوار : ذهب قره خليل جاندارلي في تأليفه هذه الكتائب من المشاة بهذا الفخر ، وكان تأليفها في عصر كانت فيه أوربا في القرون الوسطى ، وليس لها من الجيوش إلا عصابات مسلحة ، بل وقبل تنظيم كتائب الرماة في إنكلترا ، وقبل أن أسس شارل السابع ملك فرنسا جيشا دائما تحت الطلب بقرن واحد. وقال ميشو : «كان العثمانيون بادئ بدء الأمة الوحيدة التي كان لها تحت السلاح جيش دائم منظم مما كان للدولة به التفوق على الأمم التي تريد إخضاعها لسلطانها. وأصبح لمعظم ممالك أوربا في القرن السادس عشر جيوش يقاومون بها أعداءهم ، فانتشر النظام والتربية العسكرية بسرعة بين شعوب النصرانية ، وأخذت المدفعية والبحرية كل يوم تزيدان نظاما ورقيا في الغرب ، على حين كان الأتراك يزهدون في التجارب التي وصلت إليها الجيوش البحرية والبرية ، ولا يستفيدون بتاتا من العلوم التي انتشرت بين أعدائهم وجيرانهم اه».
أسس العثمانيون جيش الإنكشارية على غير مثال في التاريخ ، خالفوا