ويكمنون له ويعنون من وراء الغاية بتعليم الجند وتدريبهم حتى يبلغوا بمن يأخذونهم من الأولاد مرتبة الكمال. يعلمونهم الألعاب الرياضية واستعمال القوس والنشاب ثم الرماية بالبنادق ، ويدربونهم على لعب الجريد والمسايفة ليل نهار. وتتبدل الأسلحة بتبدل الزمن.
وكان لكل كتيبة شعار يرسمه المجندون فيها على خيامهم وعلى أبواب ثكناتهم ويشمونهم أي يستعملون لهم الوشم بأيديهم وأرجلهم. وقد أخذ هذا الجيش يفسد على عهد مراد الثالث لأنه رخص سنة (٩٩٠) بقبول الرقاصين والمصارعين في الدخول فيه. وبعد ذلك أخذ يدخل في سلكه أخلاط من كل صنف من الناس بالشفاعات والرّشى ليستفيدوا من امتيازات الإنكشارية. وفي ذلك الوقت أخذ بعض سكان الشام يدخلون في هذا الجيش على ما يظهر. وفي سنة (١١٥٣) صدر الأمر بأن تباع العلوفات فضعفت قوة الجندية في الإنكشارية وأصبح من كانوا من الجند حقيقة لا يقبضون من العلوفات ما يكفيهم فيعيشون بالنهب والسرقة. وكلما أتى الزمن على الإنكشارية زاد تدخلهم في سياسة الملك في الإستانة وأخذوا يخيفون السلاطين ويخلعونهم ويقتلونهم ويعزلون الصدور العظام وينصبونهم أو يقتلونهم ويشردونهم. وآخر من قتلوه من سلاطين العثمانيين سليم الثالث.
ولما تربع محمود الثاني في دست الملك ورأى ما تم لعزيز مصر محمد علي من إنشاء جيش له على النمط الغربي صحت عزيمته على أن يعجل في القضاء على الإنكشارية فاستصدر فتوى بقتلهم فقتلهم الأهالي ورجال البحرية وألغي نظام الإنكشارية سنة (١٢٤١) وسموا هذه الوقعة في الإستانة بالوقعة الخيرية. وقد قتل فيها في العاصمة والولايات ستة آلاف رجل على رواية المؤرخ أسعد افندي. ومن ذاك الوقت ألفت الدولة جندا على مثال الجيوش الأوربية. وكان من الإنكشارية في الشام أن خربوا القرى والضواحي ، وكانوا يعتدون على الأعراض والأموال. ولما صدر الأمر بقتلهم قتل بعضهم هنا ومنهم قسم من الأهالي غير اسمه ورسمه فتغاضت الدولة عنه. هذا هو الجيش الذي بقيت الشام تحت رحمته أكثر من ثلاثمائة سنة ورأت سيئاته وتخريباته.