الدار أماكن عديدة لا تشبه الواحدة الأخرى ، وجميعها عمل بماء الفضة والذهب واللازورد والبلاط والرخام العظيم. ونقل بعض السائحين أن ليس مثلها في ملك بني عثمان حتى ولا سراي الملك المعظم. وهذه الدار بما حوت من الفناء والقاعات والردهات والأبهاء والفساقي والفوّارات والحمام من ألطف ما هندس المهندسون في ذاك القرن وكذلك يقال في قصره في حماة وهو على مثال داره في دمشق على صورة مصغرة. والنقوش وأنواع الزينة فيها فارسية. فاستدل من ذلك أن النقاشين كانوا فرسا أو تأثروا بالأسلوب الفارسي. ومن أجمل ما فيه صورة حماة في القرن الثاني عشر تبين منها أنها كانت عامرة أكثر من اليوم على ما يظهر. ودار أسعد باشا العظم في دمشق اشترتها فرنسا ورمتها وجعلتها معهدا للدراسات الإسلامية (حزيران ١٩٢٢) وقد حرقت قاعتها في ثورة سنة (١٣٤٤ ه). ودار أسعد باشا في حماة اشترتها جمعية وجعلتها مدرسة وهي عامرة أيضا. ومن أجمل الآثار في دمشق أيضا خان أسعد باشا العظم وواجهته ورتاجه «بوابتة» وقد عمر هذا الباشا جسر الكسوة من الرأس إلى الرأس وعرّضه. ومن أعظم بيوت حلب القديمة سراي الجلبي كانت كل غرفة منها تضاهي دارا عظيمة استخرج منها مؤخرا خان وعدة دور. ومن أعظم خانات حلب خان الكمرك القديم المعروف بخان محمد باشا الشهيد طوله مائة ذراع في مثلها.
ومن أجمل آثار ذاك القرن جامع الجزار في عكا وداره في البهجة على مقربة منها نسج فيها على مثال الهندسة المصرية في ذاك القرن. ومن البيوت الجميلة قصور بني جنبلاط في المختارة في لبنان وفي الهلالية قرب صيدا وقصر بني شهاب في حاصبيا وسرايهم في راشيا. فإن هذه القصور مثال من تفنن أعيان ذاك الزمان في تنجيد بيوتهم وحسن هندستها. وكانوا يبنون كما قيل بناء الجبابرة وينقشون نقش الصياغ.
وإنا إذا تأملنا الأبنية التي قامت في النصف الثاني من القرن الثالث عشر للهجرة في مدن الشام نراها طرزا طليانيا في الأكثر قد لا ينطبق مع روح القطر ومصطلحه في إشادة البيوت منذ القرون الأولى. وقد انتشر هذا الطراز في مدينة بيروت ولبنان أولا ثم امتد إلى طرابلس ويافا وحيفا والقدس ودمشق