وكان الظفر حليف الجيوش البحرية لكثرة ما لها من الامتيازات ، وفي العادة أن الأسطول إذا غنم ما عساه أن يغنم لا يتعرض السلطان منه إلى شيء البتة ، إلا ما كان من الأسرى والسلاح فإنه للسلطان ، وما عداهما من المال والثياب ونحوهما فإنه لغزاة الأسطول لا يشاركهم فيه أحد.
ولم يقصر صلاح الدين ثم الدولة الأيوبية ثم دولة المماليك البحرية ودولة المماليك البرجية في إنشاء السفن الحربية والتجارية ، وإن كانت عنايتهم بجيوشهم البرية أكثر ، وما كان الصليبيون ينالون من المسلمين في الساحل إلا يوم تصل سفنهم من مواني الغرب ويكثر عددها ، حتى إذا أقلعت وخلا الساحل تغزوه مراكب الدولة مقلعة من الثغور ، أو يمد من يجب إمداده من المسلمين في الساحل الشامي ، وعلى الرغم من المعاهدات التي عقدت بين أصحاب مصر والشام وبين أمراء ايطاليا واسبانيا والبرتقال ، بعد القضاء على الصليبيين في الساحل ، فإن بعض الفرنج والروم عادوا إلى طريقتهم القديمة من غزو البحر فغزوا صيدا وبيروت وطرابلس ، ولما غزوا إسكندرية سنة (٧٦٧ ه) ارتأى رجال الدولة في مصر أن يعمروا من غابة بيروت مراكب كثيرة ، حمالات وشواني ، للدخول إلى قبرص ، فأحضروا الصناع من جميع المماليك ، وعمروا مسطبة بظاهر بيروت ، وكانت المراكب تعمل بها على بعد من البحر وأحضر الجند من دمشق فأنزل بين البحر والمراكب حذرا من مراكب صاحب قبرس لئلا يحضر العدو على حين غفلة فيحرق ما يعمل من المراكب ، وعملت حمالتان كبيرتان الواحدة باسم (سنقر) والثانية باسم (قراجا) وهما أميران من أمراء ذلك الوقت ، ثم أهمل الأسطول إلى أن جاء الجنوية (٧٨٤ ه ١٣٨٢ م) إلى صيدا وأخذوها ثم جلوا منها ، ثم عادوا فغزوا بيروت ورمى الفرنج المسلمين بالجروخ (١) والمدافع. ـ روى ذلك صالح بن يحيى.
وكانت جزيرة قبرس مما يرغب الفاتحون بالاستيلاء عليه لأنها مفتاح الشام ، وهي تعد من بحره وقطره ، ولذلك كان إذا استولى عليها صاحبها من الروم وقوي سلطانه صانعه صاحب مصر والشام ، وإذا استضعفوه أسروه
__________________
(١) الجروخ جمع جرخ فارسية معناها الدولاب وهي آلة ترمى بها الحجارة والنفط وغيرهما.