وكانت الجباية تقل عندما ينكسر الخراج فلا يحمل شيء كثير منه لقحط أو زلزال أو وباء. وكان عمال معاوية يحملون إليه هدايا النيروز والمهرجان فيحمل إليه في النيروز وغيره وفي المهرجان عشرة آلاف ألف. وهدايا النيروز والمهرجان مما رده عمر بن عبد العزيز كما رد السخرة والعطاء وورّث العيالات على ما جرت به السنة. غير أنه أقر القطائع التي أقطعها أهل بيته ، والعطاء في الشرف لم ينقصه ولم يزد فيه ، وزاد أهل الشام في أعطياتهم عشرة دنانير ثم رأى أن ينكثها وسماها مظالم. وكتب إلى عماله عامة : «أما بعد فإن الناس قد أصابهم بلاء وشدة وجور في أحكام الله وسنن سيئة سنتها عليهم عمال السوء قلما قصدوا قصد الحق والرفق والإحسان». وبقي العطاء (الرواتب) على حاله حتى نقص يزيد بن الوليد الناس من عطائهم فسمي يزيد الناقص.
وبينما كان عمر بن عبد العزيز يقول لأسامة بن زيد التنوخي وكان على ديوان الجند بدمشق لما بعثه سليمان بن عبد الملك على مصر يتولى خراجها : ويحك يا أسامة إنك تأتي قوما قد ألحّ عليهم البلاء منذ دهر طويل فإن قدرت أن تنعشهم فأنعشهم. كان سليمان يقول لعامله أسامة : احلب حتى ينفيك الدم. فإذا نفاك فاحلب حتى ينفيك القيح ، لا تبقها لأحد بعدي. فعمل أسامة في مصر أعمالا جائرة حتى استخرج من أهلها اثني عشر ألف ألف دينار.
ولما ولي عمر بن عبد العزيز الخلافة جعل لا يدع شيئا مما كان في أيدي أهل بيته من المظالم إلّا ردها مظلمة مظلمة. خطب على المنبر ذات يوم فقال : أما بعد فان هؤلاء يعني خلفاء بني أمية قد كانوا أعطونا عطايا ما كان ينبغي لنا أن نأخذها منهم وما كان ينبغي لهم أن يعطونا إياها ، وإني قد رأيت الآن أنه ليس عليّ في ذلك دون الله حسيب ، وقد بدأت بنفسي والأقربين من أهل بيتي. اقرأ يا مزاحم ، فجعل مزاحم يقرأ كتابا كتابا فيه الإقطاعات بالضياع والنواحي ثم يأخذه عمر بيده فيقصه بالجلم أي المقراض.
ولقد اجتمع إليه بنو أمية لما عزم عمر بن عبد العزيز على أخذ ما في