المنصور تشبث بذلك فلم يتم له فبعث بقية بن الوليد ليمسح أراض دمشق كما كان بعث إسماعيل بن عياش إلى دمشق فعدل أرضها الخراجية وعدّل أحمد بن محمد أرض دمشق والأردن وكان على ديوان الخراج سنة (٢٤٠) وحمل كل أرض ما تستحقه. وقال المسعودي : احتال كتاب الدواوين على المتوكل لخوفهم منه وقالوا : إن البلد يحتاج أن يعدل ولا يقوم بالتعديل إلا من ولي ديوان الخراج فتوجه سنة (٢٤٠) يعدل دمشق والأردن.
قال الرشيد للحسن بن عمران يوم أدخل عليه في الحديد : وليتك دمشق وهي جنة تحيط بها غدر ، تتكفأ أمواجها على رياض كالزرابي ، واردة منها كفايات المؤن إلى بيوت أموالي ، فما برح بك التعدي لإرفاقهم فيما أمرتك حتى جعلتها أجرد من الصخر وأوحش من القفر. قال : والله يا أمير المؤمنين ما قصدت لغير التوفير من جهته ، ولكن وليت أقواما ثقل على أعناقهم الحق فتفرقوا في ميدان التعدي ، ورأوا المراغمة بترك العمارة أوقع بإضرار الملك وأنوه بالشنعة على الولاة ، فلا جرم أن أمير المؤمنين قد أخذ لهم بالحظ الأوفر من مساءتي اه. وفي أيام الرشيد رفضت ضياع في فلسطين وتركها أهلها فوجه الرشيد هرثمة بن أعين لعمارتها فدعا قوما من مزارعيها وأكرتها إلى الرجوع إليها على أن يخفف عنهم من خراجهم وتلين معاملتهم فرجعوا فأولئك أصحاب التخافيف ، وجاء قوم منهم بعد فردّت عليهم أرضوهم على مثل ما كانوا عليه ، فهم أصحاب الردود.
والمهدي أول من نقل الخراج إلى المقاسمة وكان السلطان يأخذ عن الغلات خراجا مقررا ولا يقاسم وجعل الخراج على النخل والشجر. وأعاد الظاهر من الأموال المغصوبة في أيام أبيه شيئا كثيرا وأطلق المكوس في البلاد جميعها وأمر باعادة الخراج القديم وأن يسقط جميع ما جدده أبوه ، وكان كثيرا لا يحصى ، وفي أيام أبيه خربت العراق وتفرق أهله.
خربت العراق وما إليها من الأمصار والأقطار للشدة في تقاضي الجباية والتفنن في الضرائب وعدم إطرادها على وتيرة واحدة.
وكثيرا ما كان الناس يعذّبون في الخراج ، وقد وقع ذلك في أوائل