المرابطة. والثالث إعداد ما يحتاج الجيش إليه من زاد وعلوفة ، تفرق عليهم في وقت الحاجة حتى تسكن نفوسهم إلى مادة يستغنون عن طلبها ليكونوا على الحرب أوفر ، وعلى منازلة العدو أقدر. والرابع أن يعرف أخبار عدوه حتى يقف عليها ويتصفح أحوالها حتى يخبرها فيسلم من مكره ، ويلتمس الغرة في الهجوم عليه. والخامس ترتيب الجيش في مصاف الحرب والتعويل في كل جهة على من يراه كفؤا لها. ويتفقد الصفوف من الخلل فيها ، ويراعي كل جهة يميل العدو إليها بمدد يكون عونا لها. والسادس أن يقوّي نفوسهم بما يشعرهم من الظفر ، ويخيل لهم من أسباب النصر ، ليقل العدو في أعينهم فيكون عليه أجرأ وبالجرأة يتسهّل الظفر. والسابع أن يعد أهل الصبر والبلاء منهم بثواب الله لو كانوا من أهل الآخرة ، وبالجزاء والنفل من الغنيمة إن كانوا من أهل الدنيا. والثامن أن يشاور ذوي الرأي فيما أعضل ، ويرجع إلى أهل الحزم فيما أشكل ، ليأمن الخطأ ويسلم من الزلل. والتاسع أن يأخذ جيشه بما أوجبه الله تعالى من حقوقه ، وأمر به من حدوده ، حتى لا يكون بينهم تجوز في دين ، ولا تحيف في حق. والعاشر أن لا يمكن أحدا من جيشه أن يتشاغل بتجارة أو زراعة ، لصرفه الاهتمام بها من مصابرة العدو وصدق الجهاد.
ولهم في هذا الباب قوانين مهمة لا تقل في حفظ رابطة الجيش عن كثير من قوانين الجندية في الحرب والسلم في هذا العهد الحديث ، منها أنه لا يجوز إذا نقض العدو عهدا أن يقتل ما في أيدي المسلمين من رهائنهم. فقد نقض الروم عهدهم زمن معاوية وفي يده رهائن فامتنع المسلمون جميعا من قتلهم وخلوا سبيلهم ، وقالوا : وفاء بغدر ، خير من غدر بغدر. ومنها أنه يجوز لأمير الجيش في حصار العدو أن ينصب عليهم العرادات والمنجنيقات وأن يهدم عليهم منازلهم ، وأن يضع عليهم البيات والتحريق. وإذا رأى في قطع نخلهم وشجرهم صلاحا يستضعفهم به ليظفر بهم عنوة أو يدخلوا في السلم صلحا فعل ، ولا يفعل إن لم ير فيه صلاحا.
وذكر ابن خلدون أن الحرب أول الإسلام كانت زحفا كلها ، والزحف أن تمشي الفئتان المتقاتلتان كل فئة مشيا رويدا إلى الفئة الأخرى