قبل التداني للضراب ، وهي مزاحف أهل الحرب ، وربما استجنت الرجالة بجثثها ، وتزاحفت من قعود ، إلى أن يعرض لها الضراب أو الطعان. وكان العرب إنما يعرفون الكرّ والفر حملهم على إبداله أمران أول الإسلام ، أحدهما أن أعداءهم كانوا يقاتلون زحفا فيضطرون إلى مقاتلتهم مثل قتالهم ، الثاني أنهم كانوا مستميتين في جهادهم لما رغبوا فيه من الصبر ، ولما رسخ فيهم من الإيمان ، والزحف إلى الاستماتة أقرب. وأول من أبطل الصف في الحروب وصار إلى التعبية كراديس مروان بن الحكم ، أبطل الصف فتنوسي قتال الزحف. وزعموا أن امرأة قالت لولدها : إذا رأت العين العين فدغرا ولا صفا ، أي ادغروا عليهم أي احملوا ولا تصفوا صفا.
وكان قواد الجيوش يرسمون الخطط الحربية بحسب قواعد لهم قديمة ، أو يستنبطونها من الحال والموقع ، كما فعل علي بن أبي طالب يوم صفين فدعا زياد بن النضر وشريح بن هانئ فعقد لكل واحد منهما على ستة آلاف فارس ، وقال : ليس كل واحد منكما منفردا عن صاحبه ، فإن جمعتكما حرب فأنت يا زياد الأمير ، واعلما أن مقدمة القوم عيونهم ، وعيون المقدمة طلائعهم ، فإياكما أن تسأما عن توجيه الطلائع ولا تسيرا بالكتائب والقبائل من لدن مسيركما إلى نزولكما إلا بتعبية وحذر ، وإذا نزلتم بعدو أو نزل بكم فليكن معسكركم في أشرف المواضع ، ليكن ذلك لكم حصنا حصينا ، وإذا غشيكم الليل فحفوا عسكركم بالرماح والترسة ، وليلهم الرماة ، وما أقمتم فكذلك فكونوا ، لئلا يصاب منكم غرة ، واحرسا عسكركما بأنفسكما ولا تذوقا نوما إلا غرارا ومضمضة ، وليكن عندي خبركما فإني ـ ولا شيء إلا ما شاء الله ـ حثيث السير في أثركما ، ولا تقاتلا حتى تبدءا أو يأتيكما أمري إن شاء الله.
ولقد كان للجيش ثكنات لإيواء الجند ، قال ابن حوقل : ليس من مدينة عظيمة إلا وبها دار ينزلها غزاة تلك البلدة ، ويرابطون بها إذا وردوها ، وتكثر لديهم الصلات ، وترد عليهم الأموال والصدقات العظيمة ، إلى ما كان السلاطين يتكلفونه ، وأرباب النعم يعانونه وينفذونه ، متطوعين متبرعين ، ولم يكن في ناحية رئيس ولا نفيس ، إلا وله عليها وقف من