أقول : لا يخفى أن ما جرى عليه المتقدمون من المعاصرين للأئمة إلى زمان المحقق والعلامة ومن في عصرهم من أصحاب هذا الاصطلاح المحدث إنما هو صحة هذه الأخبار المنقولة في أصولهم المشهورة ، والصحة والضعف عندهم ليس باعتبار الراوي ، وتعليل العمل بمراسيل ابن أبي عمير بما ذكره إنما هو تخرج من المتأخرين بناء على عملهم بهذا الاصطلاح وضيق الخناق فيه ، فيعتذرون بهذه الأعذار الواهية ليتسع لهم المجال إلى العمل بالأخبار ، ونحوه قولهم بجبر الخبر الضعيف بالشهرة ، إذ لا يخفى على المتأمل بالفكر الصائب أنه لو اقتصر في العمل بالأحكام الشرعية على الأخبار الصحيحة باصطلاحهم لبطلت هذه الشريعة من أصلها واضمحلت بكلها أصولا وفروعا ، إذ ليس في هذا القسم من الأخبار ما يفي بأقل قليل من الأحكام كما لا يخفى على ذوي الأفهام ، والمنقول عن ابن أبي عمير في إرساله الروايات إنما هو حيث ذهبت كتبه لما كان في حبس الرشيد خمس سنين ، فقيل : إن أخته وضعتها في غرفة فذهبت بالمطر ، وقيل : إنها دفنتها تلك المدة حتى ذهبت ، فحدث لذلك من حفظه وأرسل الأخبار لذلك ، ولكنهم لضيق الخناق في اصطلاحهم واحتياجهم إلى العمل بأخباره لفقوا لأنفسهم هذا الاعتذار الشارد.
وبالجملة فالكلام في هذا الباب واسع ليس هذا مقامه ، على أن لقائل أن يقول : إن ما ادعوه من القاعدة في المهر فإنه لا بد بعد ذكره في العقد من الإشارة إليه أو وصفه بما يحصل به التعيين لم نقف لهم فيه على نص يوجب الالتزام به ، ورد ما خالفه إليه ، وإنما هو مجرد اصطلاح منهم بزعم أن الجهالة فيه
__________________
واقتفاه في هذا الكلام السيد في شرح النافع ، وقد عرفت ما فيه وما استبعده به ـ من أن الشارع أحكم من أن يضبط الأحكام بما لا ينضبط ـ مردود بأن الأمر على ما يفهم من الاخبار في هذا المقام وفي باب البيع وغيره من العقود ليس على ما ضيقوه ، بل هو أوسع من ذلك كما تقدم في غير موضع من الكتب السالفة. (منه ـ قدسسره ـ).