خبر أبي بصير وإن كان الخبر الأول أوضح ، ويقرب عندي حمل هذه الأخبار بناء على ما ذكرناه على التقية.
أما (أولا) فلأنها هي الأصل في اختلاف الأخبار كما تقدم تحقيقه في مقدمات الكتاب من جلد كتاب الطهارة (١).
وأما (ثانيا) فلأنه بعد بطلان الحمل الذي ذكروه بما عرفت فليس إلا رد الأخبار المذكورة ، وقد تقدم أن الحمل على التقية لا يشترط فيه وجود القائل به منهم ، على أنه يمكن وجود القائل به ، فإنه لا يحضرني الآن مذاهب العامة في هذه المسألة ، وكيف كان فالظاهر الذي عليه العمل هو القول المشهور ، وأما ما ذكره ابن الجنيد من تلك الأمور الزائدة على الخلوة فلم نظفر له في أخبارنا على أثر ، وهذه أخبار المسألة كملا ، والظاهر أنه تبع في ذلك العامة كما هي عادته غالبا ، والعجب من أصحابنا في نقل أقوال ، والاعتداد بها مع ما يطعنون به عليه من اقتفاء العامة ، ولا سيما في العمل بالقياس والاستحسان ، هذا بالنسبة إلى ما عدا رواية أبي بصير وصحيحة أبي عبيدة المنقولة من كتاب العلل وموثقة إسحاق ابن عمار ، وأما هذه الأخبار الثلاثة فالمستفاد منها بعد ضم بعضها إلى بعض أنه إن كانا في اعترافهما بعدم الدخول متهمين يجر كل منهما النفع إلى نفسه من جهة كما صرح به في خبري أبي بصير وصحيحة أبي عبيدة فإنها لا يقبل قولهما ، ولو كانا مأمونين صدقا كما صرح به موثق إسحاق بن عمار ، والظاهر حمل خبر أبي بصير وصحيحة أبي عبيدة على وقوع الدخول في الخلوة وظهور ذلك بقرائن الحال ، وأنهما إنما أنكرا ذلك للعلة المذكورة في كل منهما وموثقة إسحاق ابن عمار على عدم ظهور ذلك مع كونهما مأمونين ، وحينئذ فلا ينافي ما قدمنا ذكره من أن ظاهر تلك الأخبار هو ترتب وجوب المهر على مجرد الخلوة وإن علم عدم الدخول ، والله العالم.
__________________
(١) ج ص ٤.