ويمكن أن يناقش في دلالة الأمر على الوجوب هنا حيث إن الظاهر من السياق كونه للإباحة ، ولا ينافي ذلك «إِلّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسادٌ كَبِيرٌ» إذ الظاهر أن المراد أنه إذا حصل الامتناع من الإجابة لكون المخاطب حقيرا في نسبة لا لغيره من الأغراض فإنه يترتب على ذلك الفساد أو الفتنة من نحو التفاخر بالعشائر والمباهاة بالتكاثر كما في زمن الجاهلية ، وما يترتب على ذلك من القبائح الخارجة عن جادة الدين.
ويعضد ما ذكرناه ما صرح به ابن إدريس في كتابه حيث قال : وروي أنه إذا خطب المؤمن إلى غيره بنته وكان عنده يسار بقدر نفقتها ، وكان ممن يرضى فعاله وأمانته ولا يكون مرتكبا لشيء يدخل به في جملة الفساق وإن كان حقيرا في نسبه قليلا في ماله فلا يزوجه إياها كان عاصيا لله تعالى مخالفا لسنة نبيه صلىاللهعليهوآلهوسلم ، ووجه الحديث في ذلك أنه إنما يكون عاصيا إذا رده ولم يزوجه لما هو عليه من الفقر ، والأنفة منه لذلك ، واعتقاده أن ذلك ليس بكفو في الشرع ، فأما إن رده ولم يزوجه لا لذلك ، بل لأمر آخر وغرض غير ذلك من مصالح دنياه فلا حرج عليه ولا يكون عاصيا ، فهذا فقه الحديث. انتهى كلامه زيد إكرامه ، وهو جيد وجيه كما لا يخفى على الفطن النبيه.
ومنه يعلم ما قدمنا ذكره من أن الولي لو ترك الإجابة لأجل العدول إلى الأعلى لا يكون عاصيا ، وكذا لو ترك الإجابة لما هو عليه من الصفات الذميمة من فسق ونحوه ، فإنه لا حرج عليه ولا يكون عاصيا ، والظاهر من الروايات المذكورة أن الخطاب فيها والأمر بالتزويج والنهي عن الرد إنما توجه إلى الأولياء بالتقريب الذي قدمناه ، وعلى هذا ففي تعلق الحكم بالثيب والبكر البالغ التي لا ولي لها ووجوب الإجابة عليها إن قلنا بالوجوب على الولي إشكال ، من حيث إن ظاهر النصوص كما عرفت أن توجه الخطاب فيها إنما هو لخصوص الولي ، فلا يتعلق بغيره ، وإطلاق هذه الأخبار شامل لجواز مناكحة الأخفض نسبا والأدنى صنعة