فقال : يا عمّ ، إنّي لا أستطيع أن أخالف أمر ربّي.
فكفّ عنه أبو طالب.
ثمّ اجتمعوا إلى أبي طالب ، فقالوا : أنت سيّد من ساداتنا ، فادفع إلينا محمّدا لنقتله وتملّك علينا.
فقال أبو طالب قصيدة طويلة (١) ، يقول فيها :
ولمّا رأيت القوم لا ودّ عندهم |
|
وقد قطعوا كلّ العرى والوسائل |
كذبتم وبيت الله يبزى (٢) محمّد |
|
ولمّا نطاعن دونه ونناضل |
وننصره حتّى نصرّع حوله |
|
ونذهل عن أبنائنا والحلائل |
قال : فمّا اجتمعت قريش على قتل رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ وكتبوا الصّحيفة القاطعة ، جمع أبو طالب بني هاشم وحلف لهم بالبيت والرّكن والمقام والمشاعر في الكعبة ، لئن شاكت محمّدا شوكة لآتين عليكم بني هاشم (٣). فأدخله الشّعب ، وكان يحرسه باللّيل والنّهار قائما بالسّيف على رأسه أربع سنين.
فلمّا خرجوا من الشّعب ، حضرت أبا طالب الوفاة. فدخل عليه رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ وهو يجود بنفسه ، فقال : يا عمّ ، ربّيت صغيرا وكفلت يتيما ، فجزاك الله عنّي جزاء (٤) ، أعطني كلمة أشفع لك بها عند ربّي.
فروي : أنّه لم يخرج من الدّنيا حتّى أعطى رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ الرّضا.
وقال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ : لو قمت المقام المحمود ، لشفعت لأبي وأمّي وعمّي وأخ كان لي مؤاخيا في الجاهليّة.
وحدّثني (٥) أبي ، عن ابن أبي عمير ، عن سيف بن عميرة وعبد الله بن سنان وأبي حمزة الثّماليّ (٦) قالوا : سمعنا أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ ، جعفر بن محمّد يقول : لمّا حجّ رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ حجّ الوداع نزل بالأبطح ووضعت له وسادة فجلس عليها ، ثمّ رفع يده إلى السّماء وبكى بكاء شديدا ، ثمّ قال : يا ربّ ، إنّك وعدتني في أبي وأمّي
__________________
(١) المصدر : قصيدته الطويلة.
(٢) يبزى : يغلب ويقهر.
(٣) كذا في المصدر. وفي النسخ : ببني هاشم.
(٤) المصدر : خيرا.
(٥) تفسير القمّي ١ / ٣٨٠.
(٦) المصدر : ابن أبي حمزة الثمالي.