الله المهتدين ويعاقب الضالين رغم انهم مجبورون على ذلك؟
هناك آراء مختلفة في تفسير هذه الآية وأمثالها ، فبعض قال : ان المراد من (يضل) هو (يمتحن) أي ان الله يريد امتحان الناس من خلال هذه الامثال. (١)
ويقول البعض الاخر : ان الهداية والضلالة تعنيان إعداد المقدمات لهما لا نفسهما والقرار النهائي فيهما يرجع إلى ارادة الإنسان نفسه. وكأن الله يسلب الموفقية من الإنسان اللجوج ، فيراد من الضلالة ـ على هذا ـ سلب الموفقية. (٢)
ان سبب الاختلاف بين المفسرين يرجع إلى صعوبة معنى المفردتين وتعقدهما ، ولهذا علينا ايضاحهما اولاً ثم البتّ في حل مشكلة الاختلاف في تفسيرهما.
معنى الهداية والضلالة
انتبهوا إلى هذا المثال : ان قطرات الغيث الشفافة والسليمة والمانحة للحياة تنزل على الكرة الارضية اجمع ، كما ان الشمس تسطع على هذه الكرة وتمنحها نوراً وطاقة. انّ الغيث والشمس كلاهما من رحمة الله الا ان المحاصيل الزراعية التي تنتجها الأراضي التي تتمتع بهذين النعمتين تختلف ، ففي الاراضي المالحة تنبت الادغال ، بينما في الاراضي الاخرى تنبت الازهار والنباتات المطلوبة. هل سبب هذا الاختلاف الغيث والشمس ام سببه ملوحة الارض؟
لا شك في ان منشأ الاشكال هو الارض فلو نثرت بذور الازهار مكان بذور الادغال في هذه الارض لتبدلت الارض إلى حديقة أزهار. وعلى هذا فلو قيل : ان المطر جاء لنا بالادغال فان ذلك لا يعني ان المطر هو السبب في ذلك بل الارض كانت سقيمة. ان قضية الهداية والضلالة تجري هذا المجرى ، فان وابل الرحمة الالهية نزل بواسطة الرسول صلىاللهعليهوآله على قلوب جميع البشر ، وقد اصغى الجميع لوحي القرآن ، فالذين قد أعدوا أراضي قلوبهم من ذي قبل ، اهتدوا ، اما اولئك الذين لم يغسلوا ملوحة قلوبهم بزلال الايمان ولم يعدوا انفسهم فضلُّوا.
__________________
(١) انظر مجمع البيان ١ : ٦٨.
(٢) انظر تفسير الامثل ١ : ١٢٣ ـ ١٢٤.