إنّ آيات القرآن تؤيد هذا الادعاء ، فالاية الثانية من سورة البقرة تقول : (ذَلك الكِتَابُ لا رَيْبَ فِيْهِ هُدىً للمُتَّقِين) أي ان الهداية تتغمد اولئك الذين ازالوا ستار التعصب واللجاجة عن نفوسهم ولهم اذن صاغية.
وفي الاية المبحوثة هنا (٢٦ من سورة البقرة) يقول الله : (مَا يُضِلُّ بِهِ إلّا الفاسِقينَ) أي انهم كانوا فاسقين واراضي قلوبهم مالحة لذلك اضلهم الله ، ونبتت في قلوبهم ـ اثر نزول مطر الرحمة والإيمان ـ أدغال الكفر.
ويقول الله في سورة الروم الآية ١٠ : (ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةُ الّذِينَ أسَاءوا السُّوأى أن كَذَّبُوا بِآياتِ اللهِ ..) أي أنّ تكذيب آيات الله والضلالة كانا نتيجة أعمال الظالمين انفسهم. (١) وعلى هذا ؛ فالهداية والضلالة نتيجة لاعمالنا والله ـ الحكيم على الاطلاق ـ وضع مقدرات للعباد حسب حكمته. إذا خطوتُ وخطوات لاجل كسب الالطاف الالهية فاني سافوز بهدايته واذا ما خطوتُ وفي طريق غير الحق فاني ساكون مصداقاً للآية الشريفة (إنَّ الله يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ ويَهْدِي إلَيْهِ مَنْ أنَابَ) وكان مصيري الضلالة.
ذيل الاية يفيد ان الهداية ليست من غير حساب ، بل تتغمد الإنسان هداية ربانية إذا ما خطى باتجاه طريق الحق وتاب إلى الله ، إلّا أنّ الذي يعادي الله فلا يكون مصيره الا الضلالة.
الخلاصة : لا جبر في البين ، وان الهداية والضلالة هما نتيجتان لاعمال الإنسان ذاته ، وان الضلالة سم قاتل فلا يلوم الشخص إلّا نفسه إذا ما تجرّعه بارادته.
إن آيات (الهداية والضلالة) ليست بتلك الدرجة من التعقيد ؛ وقد فسرتها آيات أخرى من القرآن.
وفي النهاية ان تكليف المسلم هو العمل ما في وسعه لاجل اعداد ارض القلب لاستقبال مطر الرحمة الإلهية ، وان يطلب من الله التوفيق والعفو عما صدر منه من أخطاء.
__________________
(١) عدت الآية ٣٤ من سورة غافر ، الاسراف سبباً للضلالة ؛ والآية ٧٤ من نفس السورة عدت الكفر سبباً لذلك.