يقول الامام علي عليهالسلام : «سُكْر الغفلة والغرور أبعد إفاقة من سُكر الخمور» (١) ؛ وذلك لأنَّ الانسان يفيق من سكرة الخمر بعد لحظات أمَّا سكرة الغرور فلا يفيق منها الانسان حتى الموت أحياناً ولا يوقظه منها إلَّا صفعة الموت والأجل ، حيث لا وقت للتدارك والجبران.
وفي رواية اخرَى يقول أمير المؤمنين عليهالسلام : «بينكم وبين الموعظة حجاب من الغِرَّة» (٢).
إذن ، علينا التوقّي من الابتلاء بالغرور من خلال استذكار الماضي والتفكّر في المستقبل ، وخاصة بما بعد الموت.
(ثُمَّ سَوَّاك رَجُلاً)
أي صَنَع منك رجلاً بعد اجتياز مراحل الجنين المختلفة ، والتي تشكّل كلٌّ منها اعجوبة فريدة من نوعها ، ومن خلال برنامج منتظم ومتكامل يخلق إنسان كامل لا ينقصه شيء ، ولو طرأ أقل تغيير في هذا البرنامج لولد الطفل أعمى أو أصم أو معتوه أو توأم متلاصق وما شابه.
من فلسفة وجود ولادة الأطفال المشوهين وناقصي الخلقة هو الاطلاع على هذه المرحلة المهمَّة من الخلقة ، ولكي يتذكّر الانسان بعد ما يصبح متموِّلاً وصاحب سلطة ، ولكي لا يغتر ، ولكي يكون شاكراً لنعم الله ولولي نعمته دائماً.
ولأجل ذلك لا يسأل النزيهون عن جنس الطفل عند ولادته بل عن سلامته ؛ لأن الذكورة والانوثة كلاهما من نعم الله تعالى ، والمهم هو سلامة الطفل.
(لَكِنَّا هُوَ اللهُ رَبِّي وَلَا اشْرِكُ بِرَبّي أَحَدَاً)
بعد ما بيَّن القرآن منطق ذلك الصديق الثري الغافل عن الله بدأ ببيان منطق الصديق الفقير المؤمن الذي نصح الثري ولم تؤثر نصيحته في صديقه.
استخدام الآية لمفردة الربّ دون باقي أسماء الله يحضى بأهمية قصوى ، فهو استخدام دقيق ويعني أنَّ الله ربّاني منذ أن كنت نطفة إلى آخر عمري ، ولو لم تكن تربية الربّ القادر لم أكن شيئاً يُذكر ، فهو ولي نعمتي وصاحبي ومالكي ، وهل يمكن جعل شريك لربٍّ يملك كل ما لدي؟!
(وَلَوْلَا إذْ دَخَلْتَ جَنَّتكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللهُ لا قُوَّةِ إلَّابالله)
__________________
(١) ميزان الحكمة ، الباب ٣٠٣٩ ، الحديث ١٤٥٣١.
(٢) نهج البلاغة ، الكلمات القصار ، الحديث ٢٨٢.