بعد ما بيَّن الصديق المؤمن منطقه ومنهجه اتَّجه إلى صديقه قائلاً : عند دخولك جنَّتك الواسعة ذات الثمار الكثيرة والمعطَّرة بعطور الفواكه والمضلَّلة بالاشجار والباردة والمنشطة لماذا لا تقول : هذه ممَّا أنْعَمَ الله عليَّ من نعمٍ فلا قوة لأحدٍ غيره ، وكل قوّة تنشأ منه.
يا صديقي! عليك عدّ هذه النعم من الله ، وعليك شكره على هذه النعم والألطاف والرحمات ، ولا تغتر بل استفد منها بأفضل ما يمكن ، كما عليك أداء حق الأيتام والفقراء والمحتاجين منها.
(إنْ تَرَنِ أنَا أَقَلُّ مِنْكَ مَالاً وَوَلدَاً فَعَسى رَبَّي أَنْ يُؤتِيَنِ خَيْراً مِنْ جَنَّتِكَ)
يذكّر المؤمن صديقه هنا قائلاً له : إنَّك تفكّر بوضعك الراهن حيث إنك متموّل وصاحب سلطة ، وأنا فقير ولا أملك سلطة ولا أفراداً ، لكنَّك لا تفكّر في المستقبل الزمن الذي قد يدمّر فيه الله جنتك في لحظة واحدة ويعطيني جنَّة أفضل من جنتك.
الروايات التي وردت في ذيل هذه الآية حكت عن أن الوضع المالي لذلك الفقير كان جيداً (١).
(ويُرسِلَ عَلَيْهَا حُسْباناً مِنَ السَّماءِ فتُصْبحَ صَعِيداً زَلَقاً)
الحسبان يعني إصابة السهم للهدف ، والتسمية باعتبار أن الإصابة كانت عن حساب ، كما يُطلق الحسبان على الصاعقة التي تصيب الهدف ، وكذلك الزلزال التي تصيب الهدف وتدمّره ، والخلاصة أن الحسبان يُطلق على كلِّ بلاء مؤثر ومحسوب.
الآية تتمة خطاب المؤمن الفقير لصديقه ، فيقول له : قد يغيّر الله كلّ شيء في لحظة واحدة ويرسل على جنتك بلاء سماوياً أو حسباناً يبدّل به جنتك المثمرة إلى صحراء.
(أوْ يُصْبِحَ ماؤها غَوْراً فَلَنْ تَستَطِيعَ لَهُ طَلَباً)
أو تبتلع الأرض كل ما احتوته جنتك فلا يبقى منها أثر ، ولا قدرة لك عندئذٍ لعمل شيء ، كما يحصل ذلك عند حصول الزلزال وما شابهها من الكوارث الطبيعية بحيث تُدمَّر قرية كاملة أو تغطَّى بالوحل في لحظة واحدة.
__________________
(١) انظر البرهان ٢ : ٤٦٩.