مستقلة للحالات المتباينة والمختلفة ، فللجري من الأعلى إلى الأسفل وضعوا (سَراب) ، والذي تورَّط بالسراب يقال : (سَرَب) ، كما قد يُطلق (سَرْب) على الماء الجاري ؛ لأنه يجري ويسيل من الاعلى إلى الأسفل دائماً ، أما علميّاً فالسراب ليس ماءً بل يشبه الماء وينشأ من انكسار الضوء (١).
حرارة سطح الارض إذا ازدادت سببت ترقيق طبقات الجو القريبة من سطح الأرض ، والضوء الذي يأتي من الطبقات العليا ينكسر عند ما يصل سطح الأرض ، ويبلغ الانكسار إلى مستوى الانعكاس الكامل ، فيعكس لون السماء الأزرق فتبدو طبقات الجو القريبة من سطح الأرض ماءً ، وهو ما يُطلق عليه السراب.
أرجع بعض العلماء قصة سعي هاجر زوجة إبراهيم عليهالسلام بين الصفا والمروة إلى رؤيتها السراب ، وخلاصة القصة : أن هاجر صعدت جبل الصفا سعياً نحو الماء فشاهدت سراباً على جبل المروة ، فركضت نحو المروة ، لكنها لم تجد ماءً ، فنظرت إلى الصفا فرأت سراباً فركضت نحوه كذلك ولم تجد ماءً عند ما بلغته ، واستمر سعيها للبحث على الماء بين الجبلين سبع مرَّات حتى نبعت عين زمزم تحت رجلي اسماعيل عليهالسلام ، وبذلك نجيا من الموت (٢).
اتضح بذلك معنى السراب لغةً وعلمياً ، لكنَّ المعنيين غير منظورين في الآية ، والمراد من السراب في الآية المعنى الكنائي ، الذي هو عبارة عن الشيء الذي يبدو جميلاً وخلَّاباً من بعيد ، وهو أجوف في الواقع.
مفردة (قيعة) تعني الصحراء الخالية من الماء والكلأ ، واختُلِف في كون هذه الكلمة مفرداً أو جمعاً ، والإنصاف أنَّها مفرد ، كما هو حال السراب.
إذن ، من كان نور الإيمان منطفأً عنده ولا إيمان له فان أعماله الصالحة وعباداته وسجداته وانفاقه وإعاناته كسراب في صحراء جرداء خالية من الماء والكلأ.
(يَحْسَبُهُ الظمآنُ مَاءً)
__________________
(١) كمثال على ذلك : لو وضعنا ملعقة بنحو مائل في قدح ماء لوجدنا الملعقة تبدو معوجّة ، وهذا بسبب انكسار الضوء.
(٢) تفاصيل القصة تجدها في الأمثل ١ : ٣٩٧ ـ ٣٩٨.