الظمأ يعني العطش ، والظمآن هو العطشان ، والسراب يجذب العطشان نحوه ؛ باعتبار حاجته الملحّة للماء.
(حَتَّى إذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً)
الظمآن بعد ما يرى السراب ، يتحرّك باتجاهه ، وعند ما يصل إليه لا يجد ماءً ، فينظر إلى حيث كان ، فيرى سراباً آخر ، فيتّجه نحوه كذلك ، وهذه العملية تستمر هكذا ، ممَّا يؤدّي إلى ازدياد عطشه. هذا هو شأن الكفار يوم القيامة ، فهم يبحثون عن أعمالهم الحسنة التي أدوها في الدنيا لعلَّها تنجيهم ، لكنهم لا يحصلون على شيء فيرجعون خلو اليدين ؛ لأن أعمالهم كانت بمثابة السراب الذي يبدو ماءً وما هو بماء.
(فَوَجَدَ اللهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ)
يتعطش الكافر يوم القيامة إلى الأعمال الصالحة ، فيرى من بعيد تلاً من أعماله فيتّجه نحوها ، وعند ما يقترب منها يجدها لا شيء بل يجد الله (أي يجد عظمته أو عذابه) يهتمُّ بحسابه ويريه جزاء أعماله القبيحة.
(واللهُ سَرِيعُ الحِسَابِ)
لا يتوانى الله في حساب الكفار ، بل يُسرع في حساباتهم. وحساب يوم القيامة يختلف عن الحسابات العادية التي نمارسها يومياً ، فهو حساب معقّد ودقيق ويستدعي وقتاً طويلاً ، فمن الصعب جداً أن تُراجع أعمال الانسان كلها منذ بداية خلقته ، سواء التي نفذّها بيده أو برجله أو بلسانه أو بقلبه أو بعينه أو اذنه.
رغم ذلك جاء في رواية : «إنَّه تعالى يُحاسب الخلائق كلّهم في مقدار لمح البصر» (١) ، وهذا هو معنى (واللهُ سَرِيعُ الحِسَابِ)
لكن يا ترى كيف يمكن هذا؟
للاجابة على هذا السؤال ينبغي إلقاء نظرة على بعض منجزات البشر.
يوضع في الطائرة صندوق يُدعى الصندوق الأسود ، وهو في الحقيقة نظام مراقبة يشرف
__________________
(١) مجمع البيان ١ : ٢٩٨.