الصفات السلبية للانبياء. فرعون ـ مثلاً ـ كان يعتبر نفسه ربَّاً ويقول : (أنا ربُّكُمُ الأعْلَى) (١) وينسب إلى موسى الجنون قائلاً : (إنَّ رَسُولَكُمُ الذِي ارْسِلَ إليْكُم لَمَجْنُونٌ) (٢).
(أهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللهُ رَسُولاً) (٣) ، أي أنَّه لو كان رسولاً فلما ذا يبدو كباقي البشر ويفعل كما يفعلون ، (مَالِ هَذَا الرَّسُولُ يأكُلُ الطَّعامَ ويَمْشِي فِي الأسْوَاقِ) (٤) ، مع أن المفروض بالرسول أن يكون من الملائكة.
بطلان هذا الكلام واضح ، فالمفروض بالرسول أن يكون من البشر لا الملائكة (٥) ، لكي يفهمهم ويفهم آلامهم ومشاكلهم ويشعر بها فيعالجها بالعلاج المناسب. ولو كان من الملائكة لما أدرك مشاكلهم ولما احس بها ، مضافاً إلى أنَّه لا أحد من البشر يصغي لكلام الملائكة ؛ لأنَّ الناس سيقولون : ما تقوله الملائكة خاص بأمثالها ويناسب ما يجانسها ؛ باعتبارها معصومة ولا شهوة لها ، ولا يمكن لنا العمل بما تقول به الملائكة ، فإننا غير معصومين و... أما لو كان الرسول من جنس البشر فان هذه الذرائع جميعها ترتفع ولا مجال للتشبّث بها.
(إنْ كَادَ ليُضِلُّنا عَنْ آلهتنا لَولا أنْ صَبَرْنا عَلَيْهَا) (٦) ، وهذا الكلام أطلقه المشركون بعد ما مضى منهم من استهزاء ، ويريدون بذلك أنهم قاوموا الرسول وصمدوا على عبادة الأوثان ، ولو لا ذلك لانجرفوا مع الرسول ، كما يزعمون.
كلمات المشركين متناقضة هنا ، فهم ينسبون له الجنون من جانب ، ومن جانب آخر يبرزون تخوّفهم من تأثير كلام الرسول عليهم ، مع أنه لا أحد يخاف تأثير كلام المجنون عليه ، ولو كان مجنوناً حقاً فلا ينبغي الخوف من تأثير كلامه ، ولو لم يكن مجنوناً فالمفروض أن يكون كلامه صادقاً ، فلما ذا يُرفض كلامه؟ وكلامهم هذا يكشف عن سخف عقائدهم ويبرز ذلك
__________________
(١) النازعات : ٢٤.
(٢) الشعراء : ٢٧ ، وهذه التهمة لا تختص ببعض الأنبياء ، بل نُسب الجنون والسحر لجميع الأنبياء ، كما ورد ذلك في الآية.
(٣) الفرقان : ٤١.
(٤) الفرقان : ٧.
(٥) ولهذا اعتبر الله كون الرسول بشراً ممَّا مَنَّ الله تعالى به على البشر ، كما ورد ذلك في الآية ١٦٤ من سورة آل عمران.
(٦) الفرقان : ٤٢.