واربعمائة من المسلمين في مسجد الشجرة ، وغادروه باتجاه مكة ، ولم يأخذوا معهم من المعدات الحربية غير السيف الذي كان يحمله كل مسافر لغرض الدفاع عن نفسه ، وبذلك وبارتداء المسلمين ثوبي الإحرام بدى بوضوح كونهم غير قاصدين الحرب ، وظاهرهم يكشف عن نواياهم الحقيقية كزائرين.
لأسباب خاصة تحرَّك الرسول صلىاللهعليهوآله بصحبة المسلمين باتجاه الحديبية (١) ، وتوقّفوا هناك. قلق المشركون واضطربوا بسبب قدوم المسلمين ، وكان قلقهم ناشىء عن أن دخول المسلمين مكة واتيانهم بمناسك الحج بالنحو المتباين مع النحو الدارج يثير انتباه باقي الحجاج ويؤثر فيهم أو يميل قلوبهم نحو الاسلام فيسلمون. ولأجل ذلك قرروا منعهم من دخول مكة ، وبعثوا إلى المسلمين شخصاً يُدعى (عروة بن مسعود) وهو من علمائهم وأذكيائهم ، وبعد وصوله إلى المسلمين سأل الرسول عن سبب مجيئة إلى مكة ، فأجاب الرسول : جاء المسلمون للزيارة والعمرة المفردة ، ولهذا لم يأتوا معهم بعدّة حربية من الدروع والخناجر و... وبعد المفاوضات تقرَّر أن يبقى المسلمون في الحديبية حتى يخبر عروة زعماء قريش بنتيجة مفاوضاته مع المسلمين.
وفي هذه الأثناء شاهد عروة لقطة كانت مؤثرة في انعقاد صلح الحديبية ، لقد شاهد الرسول صلىاللهعليهوآله يتوضأ والمسلمون يتسابقون على قطرات الوضوء التي تسقط من أعضائه ليتبرّكوا بها.
بعد ما رجع عروة إلى مكة عرض على زعماء قريش نتائج مفاوضاته وأوصاهم بعدم مواجهة المسلمين ؛ لأن المسلمين ذائبون في عشق الرسول صلىاللهعليهوآله ومستعدون لكل تضحية وعمل في سبيله ، وذكر لهم قصة وضوئه.
__________________
(١) تقع الحديبية غرب مكة ، بينها وبين جدة ، وتبعد عن مكة حالياً ستة عشر كيلو متراً ، وهي ميقات العمرة المفردة ، أي بالامكان الاحرام منها للعمرة المفردة ، وهي أقرب المواقيت بالنسبة إلى من قدم مكة من جدة ، لكنه ميقات يقع في الطريق القديم بين جدة ومكة ، وفي الطريق الجديد بنوا مسجداً بمحاذاته ، بالامكان الإحرام منه ، والحديبية بمثابة الحدود النهائية للحرم تقريباً ، والفاصل بينها وبين العلائم الموضوعة للحرم قليلة ، كما يعيش فيها عدَّة من السادة ، ومن المحتمل أن هذا هو سبب تسميتها وادي فاطمة.