وبعد نقاش دار بينهم توصلوا إلى أن يبرموا صلحاً مع المسلمين بشرط أن لا يحجوا هذا العام.
قصد عروة وسهيل بن عمرو الحديبية لإبرام عقد الصلح مع المسلمين ، وبعد لقائهما الرسول صلىاللهعليهوآله واتفاقهما ، أمر الرسول صلىاللهعليهوآله الامام علي عليهالسلام بكتابة عقد الصلح.
أمر الرسول عليّاً بكتابة (بسم الله الرحمن الرحيم) لكن سهيل اعترض زاعماً أنَّهم لو كانوا متفقين مع المسلمين في شعاراتهم لما تنازعوا معهم ، وطلب كتابة (بسمك اللهمَّ) (١).
ثقل على المسلمين كلام سهيل ، لكن الرسول صلىاللهعليهوآله وافق عليه وأمر علي كتابة ما كان دارجاً كتابته ثم قال لعلي : «اكتب! هذا ما صالح عليه محمد رسول الله سُهيل بن عمرو» ، فقال سهيل : لو شهدت أنك رسول أنك رسول لم اقاتلك ، ولكن اكتب اسمك واسم أبيك ، فقال لعلي : «اكتب : هذا ما صالح عليه محمّد بن عبد الله سُهيل بن عمرو ...» ، وعندئذٍ انعقد صلح الحديبية ، وتقرّر فيه أن يقدم المسلمون العام المقبل ويقيموا في مكة مدَّة ثلاثة أيام لغرض الزيارة وأداء العمرة المفردة (٢).
ترتبت آثار كثيرة على صلح الحديبية ، والفتح المبين الذي أشارت له الآيات الاولى من سورة الفتح هو هذا الصلح ، فقد كان فتحاً مبيناً حقاً ؛ لكثرة مردوداته الايجابية وبركاته ، رغم استياء بعض المسلمين والمتطرّفين وضيقي الصدور ممَّن لا ينظرون إلَّا للمستقبل القريب ، حيث قال البعض : يا معشر المسلمين أأردّ إلى المشركين يفتنوني في ديني؟ فقال له رسول الله صلىاللهعليهوآله : «اصبر واحتسب ، فانَّ الله جاعل لك ولمن معك من المستضعفين فرجاً ومخرجاً».
وبعد الانتهاء من كتابة الصلح والإشهاد عليه أمر الرسول المسلمين بالنحر والذبح للإحلال من الاحرام ، ثمّ رجعوا إلى المدينة.
عندها نزلت آيات تطمئن قلوب المسلمين وتسكّنها وتعدهم بفتح مكة ودخولها بعز : (لَتَدْخُلُنَّ المَسْجِدَ الحَرَامَ إنْ شَاءَ اللهُ) (٣) ، وهي تعدُّ من معجزات القرآن ؛ لكونها أخبرت عن الغيب.
__________________
(١) كان هذا التعبير دارجاً عند المشركين ويبدأون به رسائلهم وكتبهم.
(٢) راجع سيرة ابن هشام ٣ : ٣١٧ ـ ٣١٨.
(٣) الفتح : ٢٧.