خاصة دون إرادة أو اختيار منا ، فكيف يمكننا ترك ما ليس بأيدينا؟
الجواب : أولاً : ينبغي السعي لحمل أعمال الآخرين وتصرّفاتهم على الصحة وعلى محامل حسنة ، وعلى سبيل المثال لو شاهدنا شخصاً يأكل في شهر رمضان نقول : قد يكون مريضاً أو معذوراً لعذر آخر. وإذا شاهدنا شاباً مع شابة نحتمل أنَّها من محارمه وأقربائه. وإذا شاهدنا تصرّفاً غير مناسب صدر من شخص نقول : لا بدَّ وأنه صدر عنه إثر تعب أو اضطرار ...
جاء في الروايات : احمل أعمال الآخر على سبعين محملاً (١) ، وإذا تصوّرنا هذه الاحتمالات انمحت من أذهاننا سوء الظن عن الآخرين تدريجياً.
ثانياً : إذا استحكم في ذهنك سوء ظنٍّ تجاه شخص فلا تبرزه ولا تحرجه عن محيط ذهنك ولا تعمل وفقه ، فإذا كان صديقك وتحبه فاستمر في صداقتك وحبك له ، ولا تقلّل منهما شيئاً.
خلاصة الكلام : أن لا تسمح لسوء الظن أن يؤثر في نفسك.
٢ ـ (وَلا تَجَسَّسُوا)
ثاني أمر أخلاقي أمرت به الآية هو عدم التجسس على الآخرين. جاء التجسّس والتحسّس بمعنى واحد ، وهو الفحص أو البحث أو السعي لادراك الامور ، والاختلاف بينهما في أن التحسس هو التفحّص في الامور المشروعة والمجازة ، بينما التجسس هو التفحّص في الامور غير المشروع التفحّص فيها. ومن ذلك قول يعقوب عليهالسلام لإخوة يوسف عليهالسلام : (يَا بَنيِّ اذْهَبُوا فَتَحسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأخِيهِ) (٢).
__________________
(١) لم تأت رواية بهذا النص (أي الحمل على سبعين محملاً) لكن جاءت رواية من قبيل الرواية التالية : قال أُبي بن كعب : «إذا رأيتم أحد إخوانكم في خصلة تستنكرونها منه فتأولوا لها سبعين تأويلاً فإن اطمأنّت قلوبكم على أحدها وإلَّا فلوموا أنفسكم حيث لم تعذروه في خصلة سرها عليه سبعون تأويلاً وأنتم أولى بالانكار على أنفسكم منه». بحار الأنوار ٧٢ : ١٩٦.
لا يبعد أن ابي بن كعب روى هذه الرواية عن الرسول صلىاللهعليهوآله ؛ باعتبار مضمونها الرفيع الذي لا يصدر إلَّا عن المعصوم. كما أن هناك روايات كثيرة وردت عن المعصومين تأمر بحمل الأعمال على الصحة لكن لم يرد فيها كلمة سبعين ، راجع بحار الأنوار ٧١ : ١٨٧ ، و ٧٢ : ١٩٦ ، و ٧٥ : ٣٣ و ٢٥١ ، وعمدتها مروية عن أمير المؤمنين عليهالسلام والامام الصادق عليهالسلام.
(٢) يوسف : ٨٧.