للناس أسرار وأعمال سرية لا يرغبون البوح بها ولا اطلاع الناس عليها ، والسعي للاطلاع عليها يُعدُّ تجسساً غير مجازٍ.
جاء في رواية : «إذا حدَّث الرجل الحديث ثم التفت فهي أمانة» (١) ، أي أنه إذا كان يلتفت يميناً ويساراً خوفاً من اطلاع أحد على سرّه فعليكم الاجتناب من السعي لإدراك ما يقوله ؛ وذلك لأن إفشاء اسرار الناس من الذنوب الكبيرة ، وإفشاء أسرارهم يبدّل الدنيا إلى جهنم يصعب تحمّلها.
لا يمكن للناس التعايش دون أن يتبادلوا الثقة ، والتجسس يزلزل اسس الثقة وأعمدتها.
بالطبع هناك موارد مستثناة لا إشكال فيها ، من قبيل التجسس على شخص متَّهم بالارتباط بالأجانب يسرّب لهم معلومات ، أو من قبيل التجسس على شخص متَّهم بتهريب المخدرات وما شابه ، وهذه الموارد ليست من قبيل التجسس بل هي تحسس ، على أن يكون تحسساً منطقياً ووفق ضوابط لا يكون مطلق العنان بحيث يسمح في الانصات للمكالمات الهاتفية مطلقاً.
٣ ـ (وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُم بَعْضاً)
ثالث وصية أخلاقية هو الاجتناب عن الغيبة ، فلا ينبغي لأحد أن يفشي أسرار آخر في غيابه.
سؤال : ما العلاقة بين الذنوب الثلاث؟ وهل اقترنت اعتباطاً دون أن يكون بينها علاقة؟
الجواب : الانصاف هو أن هناك علاقة تربط هذه الذنوب فيما بينها ، وكلٌّ منها معلول للآخر. عند المعاشرة يحصل سوء الظن ، ولو استطاع الانسان مقاومته ومواجهته كان عليه شكر الله ، ولو استمر أدَّى إلى التجسس على أعمال الآخرين ، ولو استطاع جهاد هذه المرحلة والتغلب عليها فبها ونعمت وإلَّا أنتجت ثمرة غير مباركة ، وهي الغيبة ، فالغيبة معلول للتجسُّس.
إذن ، سوء الظن منشأ للتجسس ، والتجسُّس علة للغيبة ، وبعبارة اخرَى الغيبة معلول
__________________
(١) المحجة البيضاء ٥ : ٢٣٧.