وباعتبار أن الرسول صلىاللهعليهوآله جاء بالذكر والتذكرة (القرآن المجيد) سُمِّي مُذكِّراً ، فقد جاء في الآية ٢١ و ٢٢ من سورة الغاشية :
(فَذَكِّرْ إنَّما أنْتَ مُذَكِّرٌ * لَستَ عَلَيْهِم بمُصَيْطِرٍ)
إذن ، القرآن المجيد ذكر ، والرسول مذكِّر ، لكن من المؤسف أن بعضاً من العنودين والمتعصبين لا يصغي إلى تذكرات الرسول ، بل يفرُّ منها.
(كَأنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ)
الحُمُر جمع حمار ، وبما أنها مطلقة فتشمل جميع ما يندرج تحت هذا الصنف من الحيوانات ، لكن المراد منه هنا ليس الحمار الأهلي الذي يستخدمه الانسان لأداء أعماله بل المراد هو الحمار الوحشي ؛ وذلك للُامور التالية :
أولاً : الحمار الوحشي يخاف الأسد أكثر ويفرُّ منه ، وقيد (مُسْتَنْفِرَة) يفيد كون المراد الحمار الوحشي لا الأهلي.
ثانياً : الحديث في الآية عن الأسد والحمار (١) ، ومن الواضح أن هناك تناسباً أكثر بين الأسد والحمار الوحشي ، وبخاصة أن للأسد رغبة خاصة بصيد الحمار الوحشي ، والخوف يستولي على الحُمرُ بمجرّد أن تسمع صوته بحيث تفقد صوابها ولا تعلم إلى أين تتجّه ، ويتفرّق الفصيل إلى جهات عديدة.
أحسن القرآن بيان كلّ شيء أراد بيانه واستخدم أرفع مستويات التعبير وأكملها فيه ، وفي هذه الآية رسم الله أكمل أنواع الفرار والهروب ، وذلك من وجوه فصاحة القرآن وبلاغته.
لماذا يفرُّ الوثنيون من تذكيرات الأنبياء؟ لماذا يفرون من الجنة المدعوون لها باتجاه جهنَّم؟ لماذا يتجهون إلى الظلمات تاركين خلفهم النور؟
لماذا يتركون الأماكن الآمنة ويتجهون نحو اماكن خطرة يحتمل السقوط فيها؟
يزداد إعجاب الانسان عند ما يفكر بهذه الآيات وكذا روايات وردت في هذا المجال.
__________________
(١) اشتقت قسورة من مادة (قسر) وتعني القهر والغلبة ، وهي أحد أسماء الأسد ، وقيل : هو السهم ، وقيل : الصياد. ولكن المعنى الاولى هو الأنسب ، راجع الأمثل ١٩ : ١٧٣.