ليس المنّ والاذى هما الوحيدان اللذان يبطلان الصدقة ، بل قطع كلام الفقير الذي يريد حكاية حاله ومشاكله أيضاً أمر غير صحيح ومرفوض.
جاء في رواية : «لا تقطعوا على السائل مسألته ، فلولا أنَّ المساكين يكذبون ما افلح من ردهم». (١)
لا بأس هنا ان نبتّ بتوضيح مفردة (المنّ). إنَّ أصل هذه المفردة هو (مَن) وهو وزن خاص ، وقد استخدمت هذه المفردة للاشارة إلى المعنى المراد في الآية ؛ لأجل أنَّ الشخص المانَّ يحمِّل الممنون عليه عبئاً وثقلاً يشعر به.
من جانب آخر ، فإنَّ انعام الشخص على آخر يقال له (منّ) وهو على قسمين :
الأول : المنّ العملي بأنْ ينعم شخص عملياً على شخص اخر ، وهذا أمر مستحسن.
الثاني : المنّ الادعائي بان ينعم شخص على اخر بالقول دون العمل ، فهو عملياً لم ينعم عليه أبداً. وقد استخدمت هذه المادة في القرآن المجيد عشرين مرة.
من موارد استخدام هذه المادة هو ما جاء في الآية ١٧ من سورة الحجرات : (يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أنْ أسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَىَّ إسْلَامَكُم بَلِ اللهُ يَمُنُّ عَلَيْكُم أنْ هَدَاكُم للإيمَانِ)
فالمنُّ الاول في الآية هو منٌّ إدعائي ، وذلك لأنّ الاعراب لم يمنوا على النبي بأي نعمة. فإنَّ المريض إذا جاء طبيباً وطلب منه الدواء فكتب الطبيب الدواء له وشفى من جرّاء استخدام هذا الدواء ، فهل هذا يعني انعام المريض ومنه على الطبيب؟!
أمّا المنُّ الثاني في الآية فهو مَنٌّ عَمَلَيٌ ؛ وَذلك لأنّ الله أنعم عليهم نعمة الإسلام ، فَمَنَّ عليهم بهذا العطاء.
وعلى هذا ، فالمَنّ الصادر من الله يعني البذل والعطاء أو المنّ العملي ، أمّا المنّ الصادر من الإنسان فيحتمل كلا المعنيين العملي والادعائي. والمنّ الأول في الآية هو منّ ادعائي وقولي.
ثم تمثل الآية هؤلاء الاشخاص بقطعة من الحجر وتقول : (... كالّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ باللهِ واليَومِ الآخر فَمَثَلهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فأصَابَهُ وابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْداً لَا
__________________
(١) وسائل الشيعة ج ٦ ، ابواب الصدقة الباب ٢٢ ، الحديث ٣.