(حُشِرَ) ؛ الحشر : إخراج الشيء من مقره بإزعاج.
* * *
وما خلقنا السموات والأرض إلا بالحق
(حم) من الحروف المقطعة في القرآن ، (تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ) والقرآن هو وحي الله الذي شمل الكون كله بحكمته وسيطر عليه بعزته ، فلا إرادة له إلا في مواقع الحكمة العميقة التي تنفذ إلى أعماق الأشياء لتضع فيها سرّ الوجود والحركة ، وإذا أراد شيئا فلن يستطيع أحد أن يقف ضدّه ، مهما كانت قوّته ، وهذا ما ينبغي للناس أن يتمثلوه في وعيهم للكتاب باعتباره الحق ، ليعرفوا أنه الحكمة التي يجب اتّباعها ، وأنه الحق الذي يفرض نفسه على الحياة كلها.
(ما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلَّا بِالْحَقِ) الذي يريد الله له أن يتحرك في الوجود ليكون السرَّ الأعمق فيه وفي حركته ؛ على مستوى التكوين الذي يدخل في معنى الخلق ، وعلى مستوى التشريع الذي يدخل في مضمون الإرادة الإنسانية في حركة الالتزام ، (وَأَجَلٍ مُسَمًّى) فقد جعل الله للأشياء عمرا محدودا بالغاية التي خلقت لأجلها ، في ما تحتاجه ، مما يوحي بالتخطيط الذي يخضع للحكمة الدقيقة.
ولكن هناك من يواجه الحق بمنطق العبث ، وبروح اللّامبالاة ، ويتصرف تماما كما لو كانت الحياة فرصة للهو وللهزل ، ويأخذ من دعوة الحق التي تنذره العذاب موقفا سلبيا ، (وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ) فهم لم يستجيبوا للإنذار استجابة الإنسان المنفتح على الحق ، أو استجابة الإنسان الجدّي في ملاحقة الفكرة المطروحة عليه حول اليوم الآخر ، المنفتح على عالم المسؤولية في خط الثواب والعقاب ، مما يجعل ردة فعلهم اللامبالية تلك ، نذير خطر مستقبليِّ يمكن أن يواجهوا بفعله عذاب النار لإعراضهم عن الإنذار واستهانتهم به.