(وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ)
ما هو المضمون الروحي لوجود المخلوقات الحية العاقلة من جنّ وإنس في الأرض؟
وما هي غاية الخلق ودور تلك الغاية العملي في حياة المخلوقات؟
وما هو المدلول الفلسفي للغاية من الوجود انطلاقا من مضمون التوحيد المرتبط بالله؟
هذه هي الأسئلة التي يتناولها مضمون الحديث في هذه الآيات ، فالآية الأولى تحدد المضمون الروحي بالعبادة لله ، فقد خلق الله الجن والإنس ليعبدوه ، كما أن الآية الثانية تنفي حاجة الله إلى مخلوقاته ، سواء في الرزق أو في الطعام ، باعتبارهما الرمز المادي للحاجة ، أما الآية الثالثة ، فتؤكد حاجة العباد إليه كونه مصدر الرزق الوحيد والقوّة القاهرة.
(وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) فالعبادة هي الغاية من الخلق ، ولكن كيف نتصور مدلول تلك الغاية؟ بادئ ذي بدء ، قد يبدو لنا أن في ذات الخالق حاجة تحكم عملية الخلق ، فإذا كان الأمر كذلك ، فكيف نتصور حاجة كهذه في الله سبحانه الغني عن عباده وعن كل مخلوقاته ، لا سيّما وأن مسألة العبادة لا معنى لها سوى إرضاء نزعة الكبرياء في النفس التي ترتاح لخضوع الآخرين لها ، وهذا ما لا معنى له في الذات الإلهية التي لا تحتاج إلى وجود العابدين ، فكيف تحتاج إلى عبادتهم ، لأنهم لا يمثلون شيئا في مسألة الوجود ، كما أنه أمر مستحيل فيما هو الكمال الذاتي والغنى المطلق في ذات الباري عزوجل؟!
ولعلّ الجواب الأوفق بالخطّ التوحيدي والكمال المطلق لله الذي يوحي بالغنى المطلق في ذاته ، أن يقال : إنّ الغاية هنا ، ليست معنى قائما في ذات الخالق ، بل هي أمر متصل بالدور الذي يراد للمخلوق القيام به ، بالمستوى الذي ترتفع به حياته عن العبثية ، فلم يخلق الله الجن والإنس ليعيشوا اللهو