لوط وقومه وآل فرعون في خط الذكرى والعبرة
وهؤلاء قوم لوط الذين جاءهم صاحبهم رسولا من الله ليدعوهم إلى عبادته ، وإلى الامتناع عن الفاحشة التي لم يسبقهم إليها أحد من العالمين ، وهي تمثل انحرافا في طريقة إشباع الغريزة الجنسية لا ينسجم مع المصلحة العليا التي وضعت لأجلها في حياته ، فوقفوا من دعوته موقف المكذِّبين ، الذين يرفضون الدعوة كلَّها من ناحية الفكر والعمل ، فعذّبهم الله جميعا ، فلم يبق منهم أحد.
(كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ بِالنُّذُرِ) وبالرسالات منذ أن انطلقت في تاريخ الأنبياء حتى وصلت إلى لوط الذي كانت رسالته صورة حيّة لذلك التاريخ كله ، فهو فرد يمثل مجموعة كبيرة من الرسل (إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ حاصِباً) وهي الحصباء التي تحملها الريح لتنطلق كل واحدة منها لتقتل واحدا منهم ، (إِلَّا آلَ لُوطٍ نَجَّيْناهُمْ بِسَحَرٍ) لأنهم آمنوا بالله والتزموا خط هداه ، فأخرجناهم في آخر الليل دون أن يشعر بهم أحد ، (نِعْمَةً مِنْ عِنْدِنا) جزاء على إيمانهم واستقامتهم ، (كَذلِكَ نَجْزِي مَنْ شَكَرَ) سواء كان شكره بالكلمة يقولها ، أو بالإيمان يعتقده ، أو بالالتزام العملي يلتزمه ، لأن للشكر جانبا يتمثل بالقول وجانبا يتمثل بالعمل والموقف عند ما يكون ذلك كله منفتحا على الله ، فيبادل الله شكر عباده بالمغفرة والسلامة والرضوان ، لأن الله يشكر لعباده إيمانهم وطاعتهم.
(وَلَقَدْ أَنْذَرَهُمْ بَطْشَتَنا) وقال لهم إن العذاب الدنيويّ ينتظرهم من الله قبل العذاب الأخرويّ ، (فَتَمارَوْا بِالنُّذُرِ) وتعاملوا مع الإنذار من موقع الشكّ ، والتقوا به في أجواء الجدال العقيم بالباطل ، ولم يكتفوا بالرفض بل اندفعوا ليعتدوا على حرمة ضيوفه ، (وَلَقَدْ راوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ) عند ما سمعوا أن لديه ضيوفا حسان الوجوه يستثيرون غريزتهم ، فحاولوا أن يطلبوا منه تسليمهم إليهم ليعتدوا عليهم بالطريقة الشاذّة. ولكن هؤلاء الضيوف لم يكونوا بشرا ، بل كانوا ملائكة موكَّلين بالعذاب (فَطَمَسْنا أَعْيُنَهُمْ) فأعميناها ، فلم يستطيعوا الوصول