والثمار المتنوعة من الأشجار الكثيرة المختلفة في خصائصها ، (وَعُيُونٍ) تتفجر بالماء الصافي الزلال العذب ، (آخِذِينَ ما آتاهُمْ رَبُّهُمْ) من النعيم الذي أعده الله لعباده المتقين الذين أحسنوا العمل. (إِنَّهُمْ كانُوا قَبْلَ ذلِكَ مُحْسِنِينَ) إحسان الطاعة في القول والعمل وفي بناء العلاقات والمنهج المتبع. ولم تكن الطاعة لديهم حالة طارئة ، كما هي الحالات السريعة التي تأتي ثم تذهب ، بل كانت قضية روحية يتحرك بها العقل والشعور لاتصالهما في عمق الكيان بالله الواحد الرحمن الرحيم.
* * *
المتقون طلّقوا هجوع الليل
(كانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ ما يَهْجَعُونَ) فهم في شغل عن النوم ، لاهتمامهم بعبادة الله في هذا الهدوء الساجي الممتد في قلب الظلام الذي تصفو فيه العبادة ، ويحلّق فيه الفكر ، ويرتاح فيه الشعور ، حيث يبحثون في الليل عن الصفاء الروحي يجلسون فيه إلى أنفسهم بين يدي ربَّهم ، ليكتشفوا ، في هذه اليقظة الصافية التي يخيّم عليها الهدوء ، نقاط الضعف والقوّة في داخلهم ، ليعملوا على تجاوز نقاط الضعف وتأكيد نقاط القوة. وبذلك ، فهم على استعداد دائم للتضحية بالراحة التي يجلبها النوم إلى أجسادهم لينفتحوا على آفاق روحية جديدة ، بالبعد عن الضجيج النهاري الذي يشغل الإنسان عن التأمل في نفسه كما يبعده عن معرفة عمق شعوره وفكره ووجوده.
وهم فوق ذلك (وَبِالْأَسْحارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) ليتخففوا من الإحساس بعقدة الذنب أمام الله ، فيطلبون منه أن يغفر لهم خطاياهم التي لم يتعمّدوها أو التي تعمّدوها ، غفلةً منهم عن تأثيراتها السلبية المؤثرة على علاقتهم بالله ، وهم يشعرون بالحاجة إلى التراجع عن تلك الخطايا وتصحيحها في أوقات السحر ، حيث يشيع الصفاء والهدوء ، إحساسا بالخشوع يزحف إلى روح الإنسان المذنب ويوحي إليه أن المغفرة تطلّ عليه من أوسع آفاق الرحمة الإلهية.