صدّ المسلمين عن المسجد الحرام
(هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا) بالرسول والرسالة ، وهم مشركو مكة الذين أصرّوا على البقاء في دائرة الوثنية بعيداً عن التوحيد ، (وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) حيث أصدروا قرارهم بمنع المسلمين من دخول مكة والحج إليها ، لأنهم يخافون من امتدادهم فيها ، ومن تحولها إلى مركز من مراكز النفوذ الإسلامي الذي يعني ترسيخ التوحيد في العبادة ، وطرد الأصنام من وعي الناس ومن تقاليدهم ، بعد طردها من حياتهم ، (وَالْهَدْيَ مَعْكُوفاً) أي ممنوعاً من الذهاب إلى جهةٍ ، بالإقامة في مكانه ، فحبسوه عن السير (أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ) وهو الموضع الذي ينحر فيه أو يذبح ، وهو مكة في هدي العمرة ، ومنى في هدي الحج ... وقد كان النبي وأصحابه محرمين بالعمرة آنذاك ، وساقوا الهدي معهم إلى مكة.
(وَلَوْ لا رِجالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِساءٌ مُؤْمِناتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ) من المسلمين المقيمين بمكة الذين لا تعرفونهم بأعيانهم ، (أَنْ تَطَؤُهُمْ) أي أن تدوسوهم وتسحقوهم في هجومكم على قريش ، (فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ) أي يحدث لكم مكروه من قتلهم إذا قتلتموهم (بِغَيْرِ عِلْمٍ) منكم ، لما كفَّ الله أيديكم عنهم ، لأن الظروف كانت سانحة لتحقيق النصر ، ولكنه أراد حفظ الأقلية المؤمنة في مكة ليوم آخر ، ليحقق الفتح بالقوّة الشاملة دون قتل أو قتال.
(لِيُدْخِلَ اللهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ) من المؤمنين والمؤمنات الذين لا تعرفونهم أو الذين أسلموا بعد الصلح ، كما قيل ، ليحفظ لهم سلامتهم إلى وقت ما ، وليدخلكم في رحمته بحيث لا تقعون في قتل هؤلاء ، (لَوْ تَزَيَّلُوا) أي تفرقوا عن بعضهم البعض وامتاز المسلمون عن المشركين بحيث أمكن الفصل بينهم (لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذاباً أَلِيماً) بإيقاع القتل عليهم ، ولكن الحفاظ على سلامة المؤمنين كان مشكلة تفرض نفسها على الساحة ، (إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجاهِلِيَّةِ) التي يحركها الانفعال