طبيعتها الحيّة ، (بَلى إِنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) انطلاقا من المعنى المطلق في قدرته ، كما هو كذلك في كل صفاته ، لأن المحدودية تعني الفقر والحاجة ، مما ينفي معنى ألوهيته للوجود كله.
(وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ) لأن غذاء النار الطبيعي وقود بشري من هؤلاء الذين كفروا بالله وكذّبوا رسله ، وكانوا يكذبون باليوم الآخر ، ويسخرون من أحاديث الأنبياء الذين ينذرونهم بعقاب نار جهنم ، فينطلق السؤال الذي يريد لهم أن يعلنوا الإيمان بما كذّبوا به ، بعد أن فرض الواقع الحسي عليهم ذلك ، ليكون موقفهم هذا منطلق تفكير لأمثالهم ممن يكذبون به بعدهم : (أَلَيْسَ هذا بِالْحَقِ) الذي أنذركم به الرسل؟ (قالُوا بَلى وَرَبِّنا) في تأكيد للجواب السابق بالقسم بالله ، وهدفهم منه التأكيد على إيمانهم ، رغبة في أن يشفع ذلك لهم في الخلاص من العذاب ، أو التخفيف منه ، (قالَ فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ) فذلك هو جزاء الكافرين.
* * *
لا يهلك إلّا القوم الفاسقون
ثمّ يعود الكلام إلى النبيّ تثبيتا له : (فَاصْبِرْ كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ) فإن الدعوة التي تسعى إلى التغيير الشامل للحياة وللإنسان ، فكريا وعمليا ، لا بد من أن تصطدم بألوف العقبات ، وتواجه الكثير من المشاكل ، وتلتقي بالصعوبات الكبيرة في ساحة التحديات ، لتصلّى إلى بعض النتائج الإيجابية الحاسمة مرحليا أو بشكل كامل. ولست بأوّل الرسل الذين يواجههم قومهم ، أو تستقبلهم أمتهم بالكفر والتكذيب والعناد والاضطهاد ، فاصبر كما صبر نوح وإبراهيم وموسى وعيسى عليهالسلام ، الذين ذكرهم حديث أئمة أهل البيت بأنهم هم أولو العزم ، أو كما صبر الرسل من قبلك ، فقد جاء عن بعض المفسرين أن أولي العزم هم جميع الرسل ، ولا تتعقد وتنفعل ، أو تتراجع ،